بعد ثلاث سنوات من التدفّق العشوائي، وبلوغ اللاجئين السوريين نحو مليونين، أي أكثر من 40 في المئة من الشعب اللبناني، تميل الحكومة اللبنانية إلى قرار بوقف الاستقبال. إنّها فضيحة حكومية جديدة تستكمل الفضيحة باستقبالهم.
التوقيت الذي تتّخذ فيه الحكومة اللبنانية قرارها وقف استقبال اللاجئين يستدعي طرح الأسئلة عن الخلفيات. فهو يأتي عشية اجتماع برلين لـ«مجموعة الدعم الدولية»، حيث سيشارك الرئيس تمّام سلام لمطالبة الدول المانحة بمساعدات مالية، بناءً على توصيات البنك الدولي. وهذا يعني أنّ الحكومة لم تغيِّر نهجها في التعاطي مع الملف. فهي لا تراه ملفّاً وطنياً مصيرياً، بل هو مجرّد «حفنة من الدولارات»!
وقد بدأ لبنان، في الأشهر الأخيرة، عملية ضبطٍ نسبي لدخول اللاجئين وإقامتهم وتنقّلاتهم، خصوصاً بعد انفجار المواجهة في عرسال، لكنّ الأمر بقي صُورياً. فالتدفّق استمرّ، ولكن بتراجع في الوتيرة. أمّا تنظيم الإقامة فتدور حياله سجالات حكومية ساخنة، بين إقامة المخيّمات أو عدمها.
وتؤكّد مفوّضية اللاجئين أنّ الذين يقصدونها لتسجيل أسمائهم تراجعَت أعدادهم بما بين 75 و90 في المئة. لكن ذلك لا يقدّم مؤشّراً كافياً وثابتاً إلى سلوك الملف اتّجاهاً تراجعياً.
إذاً، فالقرار الجديد بوقف استقبال اللاجئين، في نظر كثيرين، ليس سوى رسالة استجداء للمساعدات المالية المتعثِّرة، والتي ينتظرها بعض الطاقم السياسي اللبناني على أحرّ من الجمر. والدليل إلى ذلك هو أنّ الملف ليس مطروحاً بأبعاده الكيانية الخطرة، اجتماعياً وديموغرافياً وأمنياً، بل يُحصَر في المساعدات المالية. فإذا توافرَت، فلا بأس بالتدفّق!
وربّما يكون هناك من ينتظر جنيَ الثروات من ملف اللاجئين السوريين، كما جرى في ملفات المهجرين والنازحين اللبنانيين من قراهم ومناطقهم خلال مراحل من الحرب.
وسيكون القرار بوقف استقبال اللاجئين صُورياً. فأساساً، لا ينتظر هؤلاء من أحد أن يستقبلهم. ومعظمهم لا يدخل من المعابر الشرعية المحدودة، والتي تحظى بالمراقبة في البقاع والشمال. فإذا تكثّفَت المراقبة على هذه المعابر، ستزداد كثافة الداخلين من المعابر غير الشرعية، وهي بالعشرات أو بالمئات على امتداد الحدود.
فالأردن سبق لبنان، في تمّوز، بقرار ضمني لتقنين دخول اللاجئين إلى أرضه. أمّا تركيا فهي أساساً تضبط اللجوء وتحصره بمناطق حدودية مرصودة أمنياً. ولذلك، بقيَ لبنان هو الخاصرة الرخوة للتدفّق. فهو يستقبل وحدَه، بمساحته الصغيرة ومحدودية عدد سكّانه، أكثر ممّا يستقبله الأردنيون (600 ألف لاجئ) والأتراك (يقال إنّهم في حدود المليون لاجئ) معاً. فما مِن بلد يقدِّم للّاجئين سُبلاً للعيش والعمل، ولو على حساب أبنائه، إلّا لبنان.
ولأنّ المجتمع الدولي يضغط على لبنان لاستمرار استضافته اللاجئين، فإنّ الحكومة وجَدت فرصةً لاستخدام ورقة الضغط الوحيدة، أي التلويح بمعاكسة الإرادة الدولية، إذا لم تصل المساعدات المطلوبة.
ولا يمكن عملياً تنفيذ القرار الحكومي- إذا اتُّخِذ- إلّا ضمن عملية ضبط دقيقة وصارمة للحدود والمعابر اللاشرعية أمام المتقاتلين في الإتجاهين اللبناني والسوري، وأمام اللاجئين على حدٍّ سواء.
ووفق ذلك، يتمّ استقبال اللاجئين الذين يستوفون الشروط المتَّبعة دولياً، أي أولئك الهاربين حصراً من الموت، من المناطق المحاذية للبنان لا للأردن أو العراق وتركيا، والذين لا مأوى آمناً يمكنهم بلوغه في سوريا.
فغالبية الوافدين من سوريا يأتون من مناطق بعيدة عن الحدود اللبنانية، علماً أنّ هناك أماكن كثيرة آمنة في سوريا يمكنهم الإقامة فيها، إلى أن تسمح لهم الفرصة بالعودة إلى مناطقهم. وكثير منهم يدخل إلى لبنان كـ«لاجئ»، لكنّ هدفه هو الإقامة والعمل بمردود جيِّد وتحصيل المساعدات.
لذلك، سيكون القرار بوقف استقبال اللاجئين جزءاً ثانياً من فضيحة الحكومة، بعد جزءٍ أوَّل هو القرار باستقبالهم. ولا يكون القرار الحكومي جدّياً وفاعلاً إلّا في إطار مقاربة جديدة للملف السوري ومسألة الحدود الفلتانة ذهاباً وإياباً للمقاتلين والإرهابيين واللاجئين على حدّ سواء.
وهنا تبدو الخطيئة أصليةً، ويشارك فيها كثيرون من داخل الحكومة وخارجها.