إنها عاشوراء، مناسبة تتخطى كل الأبعاد الدينية والمذهبية، لتصل إلى الإنسان، كلّ إنسان، في أيّ بقعةٍ على وجه الكرة الأرضية..
إنّها عاشوراء، التي تتجدّد كلّ عام، بتعاليمها وقيمها، بطقوسها الجامعة غير التقليدية، بشعاراتها ومجالسها، وبـ"أسرارها" التي ستبقى "دفينة"، عاجزة عن تفسير هذا التعلق الرباني بسيرةٍ تعود أحداثها لأكثر من ألف وثلاثمئة عام إلى الوراء..
إنها عاشوراء بمعانيها وتجلياتها. فيها يلبس المؤمنون السواد، يترحّمون على سيّد شباب أهل الجنة، ابن بنت رسول الله، وأهل بيته الذين انتصروا بدمائهم على الظلم الذي لحق بهم، والذين أعادوا دين الإسلام إلى البوصلة الصحيحة، البوصلة التي تكاد تضيع من جديد هذه الأيام..
استعداد وجهوزية وثبات..
أينما تجوّلت هذه الأيام، خصوصًا في الجنوب وبعلبك وضاحية بيروت الجنوبية، تستوقفك لوحاتٌ وإعلاناتٌ يجمعها شعارٌ واحد، شعار "لبّيك".
هذا الشعار اختارته جمعية "رسالات" ليكون عنوان الحملة المركزية السنوية التي تنظمها بالمناسبة، بعد شعار "هيهات" الذي اعتمدته العام الماضي. وبحسب المشرف الفني على الحملة علي بركات، فإنّ المرحلة التي نعيشها اليوم والتي تتطلّب الاستعداد والجهوزية والثبات على الولاء هي التي حتّمت هذا الشعار.
ويوضح بركات، في حديث لـ"النشرة"، أنّ هذا الشعار يحمل بين طيّاته الكثير من المعاني المرتبطة بالثورة الحسينية قولاً وفعلاً، ومنها الحب والمواساة والطاعة والإرادة، وكلّها محطاتٌ نستطيع من خلالها أن نظهر الثبات والجهوزية والاستعداد للتضحية.
ويلفت بركات في هذا الإطار إلى استحضار الحملة لشخصية الرسول المقدّسة بشكل واسع في هذه الحملة، وذلك عن قصد لمواجهة الصورة الخاطئة التي تروّجها الجماعات التكفيرية اليوم للإسلام ورسوله الله.
بين الأسود والأبيض والأخضر..
ومن معاني الشعار ودلالاته إلى الألوان المستخدمة فيه، والتي لم تأتِ بشكلٍ عشوائي بطبيعة الحال، ألا وهي الأسود والأبيض والأخضر. هنا، يؤكد المشرف الفني على الحملة أنّ لكلّ من هذه الألوان الثلاثة ما يرمز إليه، وما يعطي بالتالي المزيد من الحيوية والديناميكية لها.
ولعلّ اللون الأسود لا يحتاج إلى الكثير من التمحيص، إذ إنه يرمز إلى الحزن والأسى، على مصاب الإمام الحسين وأهل بيته، ولكنه يؤشر في الوقت عينه إلى القوة والحرب، كما يؤكد بركات، بحيث يتلاقى بهذا المعنى مع اللون الأبيض، المتعارَف على أنه لون المحبة والسلام، وهنا الربط الأساسي الذي تتوخاه الحملة مع شخصية الرسول، المعروف بأنه نبيّ الرحمة، وهو الذي أنزِل "رحمة للعالمين". أما اللون الأخضر، فهو لون النسب النبوي، كما يدلّ أيضًا على العطاء دون مقابل، على الإقبال على الحياة وعلى التجدّد.
وإذا كانت الألوان الثلاثة تأتي لتخدم فكرة القوة التي تجسّدها مدرسة الإمام الحسين، فإنّ تصميم الحملة المستند إلى رسم "القبضة" يأتي ليعزّز هذا الاتجاه، معطوفًا على أقوال الإمام الحسين والتي تمّ اختيارها بشكل يبرز فيها الربط مع النبي محمد، ومنها: "هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون"، و"إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدي رسول الله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
كلّ منّا يقولها على طريقته..
وعلى فضاء التواصل الاجتماعي، انتشرت سريعًا هذه الحملة، حسب ما يؤكد بركات لـ"النشرة"، لافتاً إلى أنّ الصور الخاصة بالحملة باتت تُستخدَم كصورٍ شخصية للكثير من المستخدمين بشكلٍ نشط، ويشير في هذا الإطار إلى أنّ الحملة وزّعت صورًا لأشخاصٍ من مهن مختلفة من المجتمع المقاوم، بينهم الدفاع المدني والمقاوم والمصوّر والطالب والفلاح، وكلّ منهم يرتدي الوشاح العاشورائي. "بمعنى آخر، أردنا أن نوصل رسالة أنّ كلاً منا يستطيع استخدام شعار "لبّيك" على طريقته"، يشرح بركات.
وفيما يعتبر بركات أنّ الوقت لا يزال مبكرًا لتقييم الحملة ومدى نجاحها، متحدّثاً عن المزيد من الخطوات التي ستنفذ تباعًا ومنها نشر شريط فيديو للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وهو يتلو زيارة الإمام الحسين ولكن من زاوية جديدة، يؤكد أنّ التفاعل جيد حتى الآن، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال انتشار صورها، وكذلك اهتمام وسائل الإعلام بها.
الذكرى تبقى الأساس..
ليست قوة الحملة هي الأساس، بقدر ما هي الذكرى بحدّ ذاتها، يحرص بركات على القول، مضيفاً: "مهما فعلنا ومهما أنجزنا تبقى الذكرى أهمّ من الحملة".
هي الرسالة التي تريد الحملة إيصالها، رسالة توجيهية لمواطنين مستعدّين للتحدّي، مواطنين لن تثنيهم كلّ التهديدات الأمنية عن إحياء الشعائر كالمعتاد، ليؤكدوا أنّ قوتهم وإرادتهم تبقى أكبر..