تتقاطع المصالح الدولية والاقليمية لتوحّد المشهد من العراق إلى لبنان مرورًا بسوريا التي تشهد تطورات ميدانية لافتة في ظلّ انشغال الاعلام العالمي والعربي بحرب "داعش" على عين العرب "كوباني" من جهة، وما يحققه الجيش العراقي والبشمركة من إنجازاتٍ تبدو هزيلة قياسًا على الحرب التي يشنّها الغرب بطائرته وقواه الجوية على الدولة الاسلامية، في مقابل حساباتٍ أميركية إسرائيلية ومصالح روسية إيرانية مشتركة تؤكد أنّ الأزمة في العالمين العربي والاسلامي عادت إلى دائرة الضبط، بكلّ ما يمكن أن تحمله الأيام والأسابيع المقبلة من تطوراتٍ من شأنها أن تصبّ في خانة تظهير صورة تسوية ما يقوم الاقطاب على إنضاجها في إطار لعبة تقاسم النفوذ.
في هذا السياق، لا بدّ من تسجيل ملاحظةٍ هامة وهي أنّ التحولات المتسارعة تحصل في ظلّ ستارٍ من الغبار المثار على هذه الجبهة أو تلك، على غرار بدء انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان مستفيدًا من الانشغالات الدولية والاعلامية في الحرب على "داعش" خصوصًا والارهاب عمومًا، أو لجوء الجيش العراقي إلى تصوير إنجازاته على أنّها بداية للقضاء على الدولة الاسلامية في العراق في ظل استمرار التنظيم الموصوف من قبل دول حلف شمال الاطلسي بالارهابي ببيع إنتاج نفط الآبار التي يسيطر عليها لدول منضوية تحت لواء الحلف المذكور تحت أنظار العالم والأمم المتحدة ما يؤكد أنّ كلّ الحروب المفترضة والانجازات المحققة منها لا تعدو كونها زوبعة في فنجان.
في سوريا، تتضح الصورة أكثر وأكثر، حيث يستفيد الجيش السوري إلى أقصى الدرجات من انشغالات الرأي العام العالمي والاقليمي بأحداث كوباني ليفرط في استخدام القوة العسكرية على مساحة الجغرافيا السورية لتحقيق مكاسب عسكرية في إدلب وحلب والغوطة الدمشقية يصفها الخبراء بالمكاسب والأهداف الاستراتيجية من خلال تكثيف الغارات الجوية بشكل غير مسبوق واستخدام أسلحة روسية جديدة شديدة الفاعلية وبقدرات تدميرية هائلة ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ هناك اتفاقا غير معلن بين أصحاب القرار الدولي على احتمال يبدو قريبًا من الواقع وهو ضرورة الابقاء على "داعش" وعلى النظام السوري في وقتٍ واحدٍ، وإن كان المطلوب في نفس الوقت الابقاء عليهما وفق موازين قوى دقيقة غير خاضعة للمساومة.
ما يعزّز هذا الاعتقاد هو "البروباغندا" الاعلامية التي اعتمدها الغرب عمومًا وتركيا خصوصًا للسماح بدخول مقاتلين من "الجيش السوري الحر" المناهض للنظام السوري، مع الاشارة إلى أنّ عدد مقاتلي "الجيش الحر" لا يقدّم ولا يؤخر في مسار الحرب نظرًا لضراوتها وحاجة المقاتلين الاكراد إلى أكثر من مجرد عشرات المقاتلين الذين لا يعرفون أرض المعركة، وذلك بالتزامن الكامل مع تقدّم الجيش السوري بشكلٍ سريع واستعادة مراكز استراتيجية حاسمة بحسب رأي الخبراء.
في لبنان، المشهد ذاته مع اختلافات في الشكل وليس في المضمون، فعملية التمديد للمجلس النيابي تسير على وقع الأمن المتنقل بين الشمال والبقاع وصيدا في ظل تعميم مشهد التوازن الدقيق والابقاء على مسافة متقاربة بين الانفجار والآخر، فكلّ ما تشهده الساحة المحلية يدلّ على أنّ النتائج الاولية للتسويات هي تمديد للمجلس النيابي وبالتالي تمديد لعمر الازمة، فلا الدولة سقطت ولا الارهاب سقط، بل على العكس فإنّ كلّ ما حصل هو انتهاء جولة جديدة والتأسيس لجولاتٍ مقبلة خصوصًا أنّ الرؤوس الكبيرة ما زالت تسرح وتمرح في البلاد في مقابل استمرار الطبقة السياسية في إدارتها الفاشلة للازمة، بحيث يصحّ القول أنّ مشهد التسويات على رائحة الدماء هو العنوان الكبير للمراحل المقبلة أو لحروب الاستنزاف الدموي إذا ما جاز التعبير.