من يراجع تاريخ الجيش يعلم أنه مبني على أسس وعقيدة وطنية متينة باعتبار أنّ الانشقاقات القليلة المعدودة على مر سنوات الحرب لم تدم كثيراً رغم الدعم الخارجي الكبير. فإبان الحرب اللبنانية عام 1976، ظهرت أول حالة انشقاق عندما أعلن العميد عزيز الاحدب قائد منطقة بيروت العسكرية انشقاقه مطالباً رئيس الجمهورية سليمان فرنجية آنذاك بالتنحي، ولكن سرعان ما أُفشلت محاولته. بعدها بأشهر معدودة، قام الملازم اول أحمد الخطيب بتمرد واستولى على دبابات للجيش وقادها نحو منطقة العرقوب تحت سيطرة الفصائل الفلسطينية وأنشأ ما يسمى بجيش لبنان العربي وسرعان ما حلّ. وفي العام 1984 انشقّ انطوان لحد وأنشأ جيش لبنان الجنوبي الموالي لاسرائيل وحلّ عام 2000 بعد التحرير.
وفي العام 1989 عين الرئيس الراحل الياس الهراوي العماد اميل لحود قائداً للجيش موكلاً اليه مهمة العمل على توحيد الجيش اللبناني بعدما كان مقسّماً طائفيا، وبالتعاون مع كبار ضباط الجيش قاموا باعادة هيكلية الجيش ليضم جميع الطوائف بعد أن كان يقتصر على طائفة واحدة يخدم عناصره في مناطق تابعة لتلك الطائفة. فيما بعد كانت الخدمة الاجبارية المعروفة بالتجنيد الاجباري واساسها تعميم العقيدة على الشباب وعمادها العداء لاسرائيل والعيش المشترك وتعريف الشباب على كل مناطق لبنان بعدما كان ممنوعا عليهم دخولها سابقاً. ولكن اعادة ترميم الهيكلية لم تكن سهلة، فكان فريق سياسي يرى في الجيش عبئًاً على خزينة الدولة كونه القطاع الوحيد في الدولة غير المنتج. وهنا نستذكر المقولة الشهيرة لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري "لو استأجرنا فصيلا سوريا مكان الجيش لوفرنا ثروة".
من ناحية اخرى اوكلت للجيش مهام الامن الداخلي عوضاً عن حماية الحدود لكي لا يتضارب عمله مع عمل "حزب الله" وانتشار الجيش السوري. اما خارجيا فقد منع الجيش من التسلّح بطلب غربي لحماية مصلحة اسرائيل وكان لوقت ليس ببعيد عند اختراق الطائرات الاسرائيليّة للاجواء اللبنانية يرسل عددا من الجنود الى اسطح الثكنات حاملين بنادق الـ 16 Mاو الكلاشنيكوف وكأنها تستطيع تدميرها.
من يعتقد أنّ معركة الارهاب والخلايا التكفيرية النائمة في الشمال حديثة فهو مخطىء. فمعركة الارهاب لم تبدأ مع بدء الثورة السورية. ففي العام 2000 خطف المقدم ميلاد الندّاف في بلدة عاصون على يد ارهابيين وذبح على طريقة القاعدة ويومها استطاع الجيش السيطرة على تلك الحالة بعد معركة شرسة قادها على الارهاب في معركة عرفت يومها بمعركة الضنية.
وبعدها بثلاث سنوات، اقدم الجندي احمد خلف من وادي خالد على اطلاق النار عشوائيا على رفاقه في ثكنة الراعي الصالح وقتل المجند انطوان كورد وجرح اربعة تاركا وراءه رسالة تفيد بأنّه من القاعدة..
بعد العام 2005 بدأنا نسمع عن مجموعات تكفيرية كتلك المسماة بمجموعة الـ13 وصولاً الى نهر البارد ومعركة عبرا واليوم المجموعات المنضوية تحت شعار النصرة وداعش المكفرة للجيش والحالمة بانشاء امارة.
فمن هو عالم بعقيدة الجيش المبنية على الايمان بالوطن والعيش المشترك والمحدد فيها العدو والمحافظة على الارض والشعب وشعار الشرف والتضحية بالدماء في سبيل لبنان، فان وفاء العناصر لتلك المؤسسة يجعلها أقوى من ان ينجح أحد بتفكيكها.