في وقتٍ تراوح فيه الملفات الساخنة مكانها من الملف الأمني الضاغط إلى ملف العسكريين المخطوفين إلى الفراغ الرئاسي، إضافة إلى الملفات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، وحده ملف التمديد للطبقة السياسية الحاكمة بالشكل والمحكومة من بعض الخارج بالمضمون وجد طريقه إلى النهاية غير السعيدة من خلال التمديد لمجلس النواب أولا والحكومة ثانيًا والفراغ الرئاسي ثالثا وللازمة رابعًا وليس أخيرًا، في مشهدٍ يؤكد أنّ المطلوب في هذه المرحلة هو إدارة الازمة بحدّها الادنى والمحافظة على الستاتيكو المعمول به راهنًا بحيث لا يتمّ القضاء على موجة الارهاب، ولا تدخل البلاد في الفراغ القاتل، وذلك بانتظار نتائج التحولات السياسية والحروب المنتشرة على مساحة المنطقة وتحديد صورة المستقبل في إشارة واضحة إلى أنّ لبنان تحول إلى جزءٍ لا يتجزأ من تفاصيل اللعبة الدولية وانضمّ بثبات إلى لائحة الدول المشتعلة وإن كان بمنسوبٍ أقلّ ولكن بنتائج موازية وارتداداتٍ خطيرة.
في هذا السياق، أعرب دبلوماسي أوروبي عن خشيته من تحول لبنان مجدّدًا إلى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية في ظلّ معلومات ينقلها عن خارجية بلاده مفادها أنّ عدد الخلايا النائمة في لبنان معطوفا على القرار الدولي بعدم السماح بايجاد حلول سياسية للازمة اللبنانية من شأنه أن يدفع بالأمور إلى زاوية ضيقة يصعب الخروج منها إلا بقراراتٍ دولية وإقليمية متصلة بمستقبل المفاوضات الأميركية الإيرانية من جهة والعلاقات الروسية الأميركية من جهة ثانية وبمستقبل الوضع في سوريا والعراق من جهة ثالثة. فصحيح أنّ الأمور ما زالت حتى الساعة ضمن دائرة الضبط ولكنها مرشحة في الوقت ذاته للتفلت والخروج عن السيطرة لا سيما أنّ لبنان المتحول تدريجيًا إلى أرضٍ خصبة لتصفية الحسابات بات محكومًا بعدّة عوامل خارجية وإقليمية تتعلق بالخريطة الجيوسياسية التي بدأت تبصر النور خصوصًا أنّ سوريا غير قابلة للعودة إلى ما كانت عليه من حيث الجغرافيا السياسية والمذهبية، وكذلك الأمر بالنسبة للعراق المتصل عضويًا بأزمات المنطقة باعتباره نقطة التحول الاساسية.
ما يعزّز هذا الاعتقاد هو الغطاء الدولي لكلّ الخطوات التي تؤسس إلى استمرار الازمة الاقليمية أكان لجهة دعم المتطرفين في موازاة دعم الانظمة، أم لناحية المؤشرات التي تتضح يومًا بعد يوم على غرار الاعتراف غير المباشر بالانتخابات الرئاسية السورية وعدم مقاربة نتائجها، أو الدفع بالنواب في لبنان لتمديد ولايتهم للمرة الثانية على التوالي خلافا لأيّ دستور أو شرع أو عرف، وبالتالي مقاربة مصالح الخارج في ظلّ إشارات ودراسات تشير إلى عكس ما يخطط له هؤلاء في حال حصول انتخابات نيابية من شأن نتائجها أن تقلب الطاولة على المخططات الخارجية المتصلة بإعادة رسم خريطة نفوذ ومصالح جديدة تستند إلى الصراعات الدولية وكل ما ينجم عنها من إرباكاتٍ وتقاطعاتٍ غير محسوبة النتائج.
وليس بعيدًا عن ذلك، يكشف الدبلوماسي عن سلسلة من اللاءات متصلة بالاوضاع في لبنان والمنطقة أولها أنّ لا حلول عسكرية في أيّ من الدول العربيّة بل السير قدمًا بحروب استنزاف طويلة الامد، لا لحسم الازمة في سوريا إنما الإبقاء عليها بمثابة ساحة كباش روسي إيراني من جهة وأميركي خليجي من جهة ثانية، ولا لمقاربة الحلول السياسية أو العسكرية في لبنان حتى لو كان الهدف منها ضرب الارهاب والتطرف. ويشير إلى أنّ واشنطن لو ارادت خلاف ذلك لسارعت إلى دعم الجيش اللبناني وتسليحه مع علمها اليقين بحاجاته الفعلية والعملانية لمقارعة الارهاب والارهابيين وخلاياهم النائمة والتعرف إليها قبل فوات الاوان وليس كما هو حاصل الان، إضافة إلى قدرتها على عدم عرقلة أيّ مشروع متصل بدعم الجيش، بما يعني أنّ المطلوب هو توازنات دقيقة من غير المسموح المساس بثوابتها.