"لبنان بلد العيش المشترك والتآخي". عبارة نشأنا عليها منذ الصغر بعد أن ابتكرها السياسيون اللبنانيون منذ الاستقلال وما بعده. تغيّرت أمورٌ كثيرة، وشهد لبنان أحداثاً خطيرة هدّدت وجوده، وغاب مسؤولون سياسيون وزعماء لبنانيون وحلّ مكانهم أشخاص آخرون... لكنّ الشعارات بقيت حاضرة وهي لا تموت مهما تقدّم الوقت، ومن هذه الشعارات: "العيش المشترك".
اختصاراً للوقت، سنقفز عن سنوات كثيرة مرّت أثبت هذا الشعار خلالها هشاشته وتصدعه، وها هو اليوم مجدداً يثبت بما لا يقبل الشك أنه شعارٌ مرّ عليه الزمن وبات بحاجة الى تغيير.
مناسبة حديثنا هذا هي كمية السلاح التي ضبطها الجيش اللبناني في منزل بلال دقماق وما رافق ذلك من اتهامات ودفاع عن دقماق وكلام من الشيخ داعي الاسلام الشهال. القاسم المشترك في كل هذه المسألة كانت التبريرات التي استعملت والتي أكدت عدم ثقة اللبناني بشريكه في الوطن.
في التبريرات التي أعطيت، اعتبر دقماق أولاً أنّ الأسلحة قديمة ويكسوها الصدأ وتكاد تكون غير صالحة، قبل أن يغيّر كلامه ويقول أنها أسلحة تعود إلى الشيخ الشهال الذي اعتبر بدوره أنّ سبب وجود هذه الأسلحة هو الدفاع عن النفس بعد تقصير الدولة في حماية أهل السنّة، كما سأل عن السبب الذي من أجله تتواجد مخازن الاسلحة في مناطق أخرى من لبنان (في إشارة إلى مخازن الاسلحة التابعة لـ"حزب الله").
إنّ قسماً من اللبنانيين يشاطر الشهال وجهة نظره، وقسماً آخر يعارضها، وبغضّ النظر عن الموقف من هذا الكلام، إلا أنّ المسألة تستأهل التوقف عندها خصوصاً وأنّها تعني عملياً عدم ثقة أصحاب هذا الكلام بالجيش اللبناني، وهم لم يتورّعوا عن اتهامه بالتحيّز والوقوف مع طرف لبناني في وجه طرف آخر، إضافة إلى عدم ثقتهم الواضحة بالآخر المساكن لهم في الوطن.
وإذا كان صحيحاً أنّ مخازن الأسلحة التابعة لـ"حزب الله" منتشرة في لبنان، وأنّ مخاوف تعتري اللبنانيين بعد أحداث 7 ايار 2008، فهل يكون الحلّ بالعودة إلى التسلح والهجوم على الجيش؟
إضافة إلى ذلك، فإنّ الجميع كان على علم منذ مدة طويلة بتسلّح "حزب الله" ولم يكن الامر يسبّب أيّ مشكلة. وحتى بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وبعد أحداث 7 ايار 2008، بقي الخطاب السياسي من قبل قوى "14 آذار" بعيداً عن التسلّح والدفاع عن النفس بالسلاح والخوف من "اجتياح إيراني بغطاء شيعي" لمناطق سنّية، فما الذي تغيّر منذ اندلاع الحرب في سوريا حتى بات "من الواجب" التسلّح لمنع "حزب الله" من تنفيذ اجتياحه؟ وهل من معطيات عملية تشير إلى أنّ الحزب ينوي فعلاً السيطرة على مناطق لبنانية بقوة السلاح؟
من المؤكد أنّ العديد من اللبنانيين احتار في أمره، فمن يجب عليه أن يصدّق؟ رجال دين يدعون شريحة كبيرة الى التنبه والتسلّح للدفاع عن النفس؟ أم رجال سياسة وزعماء يدعون إلى اعتماد منطق الدولة بدل الدويلة وعدم الرد على الخطأ بخطأ مثله وعدم الانحراف نحو مهاجمة الجيش أو دعوة جنود إلى الانشقاق عنه؟
أين الحقيقة في كل هذه المعمعة وهل هذا الكلام توطئة لأمور أمنية قد تتحول إلى عسكرية؟ وإذا كرّت السبحة، هل يجب القول أنّ على الدروز والمسيحيين أن ينضمّوا إلى سباق التسلح هذا ضمن معادلة "6 و6 مكرر" الشهيرة؟
يبدو أنّ قصة "العيش المشترك" باتت بحاجة إلى إعادة تأهيل، وكلما طالت الفترة، كبرت المشكلة وباتت أكثر خطورة مع التنبيه من أن نصل إلى زمن تستبدل فيه هذه العبارة بعبارة أخرى هي: السلاح المشترك على انواعه (ثقيل، خفيف...)، وهو ما سيجمع اللبنانيين في المرحلة المقبلة اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع طمأن في حديث الى وكالة "رويترز" أن لا خوف من حرب أهلية في لبنان، على أمل أن يكون كلامه صائباً ولا يخيب لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من يضمن عدم حصول هذه الحرب؟
إذا كانت الدول الغربية هي الضامن، فالأمور مسهّلة، أما إذا اتُّخذ القرار على صعيد داخلي، فالخوف من أن يتمّ خرقه، أو حتى اندلاع مواجهات هنا وهناك تقوّض أوضاع البلد من جهة، وترهق الجيش اللبناني.