قراءة متأنية لكلام امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في العاشر من محرم تكشف ان لبنان يعاني من ازمة مثلثة الاضلاع. ازمة نظام، ازمة تعدد الولاءات، وازمة ارتباط لبنان بالخارج ومصالحه الاستراتيجية والاقتصادية وتحوله الى ساحة لتصفية الحسابات بعيدا عن المصالح الوطنية. فالنظام ليس بخير بدليل ان الحلول التي اقترحها نصر الله لا تصب في خانة الديمقراطية التي يعتمدها النظام اللبناني حيث لا التمديد ولا الفراغ معترف بهما في الانظمة الديمقراطية، ولا الانتخابات النيابية التي هي الحل المستحيل في هذه الظروف تشكل عنوانا اساسيا نظرا الى ان قوانينها المتغيّرة تثبت ان لبنان بحاجة الى نظام جديد يتم من خلاله التعريف على بعض بنود الديمقراطية. اضافة الى ان ما ورد على متن الكلام المباح اعطى الضوء الاخضر للتمديد ولتطيير الانتخابات الرئاسية خصوصا ان الفراغ المفترض مرفوض بالكامل باعتباره ينهي النظام اللبناني.
هذا لا يعني على الاطلاق بان نصر الله يسعى الى المثالثة، بل على العكس تماما فهو رد على البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي من دون ان يسميه، انما المقصود وبحسب عارفي السيد هو اعادة تركيب النظام على اسس جديدة تأخذ بالاعتبار احترام المواعيد الدستورية، والتقيد بها بعيدا عن المصالح الخارجية التي امعنت في تفتيت المنطقة انطلاقا من العراق مرورا بسوريا وليبيا وليس انتهاء بلبنان الذي يقف على حافة الهاوية، في ظل مشهد اقليمي مرتبك لا يمكن الركون اليه بالرغم من محاولات تقريب وجهات النظر الاقليمية المؤثرة على الاوضاع في لبنان.
من جهة ثانية يبدو ان الغمز الايجابي من زاوية تيار المستقبل ورئيسه النائب سعد الحريري يحمل رسالة باتجاه المملكة العربية السعودية في ظل مقارنة بين الموقفين الايراني والسوري من جهة ودول المحور الاميركي السعودي من جهة ثانية، مفادها ان الضغط لن يغير في المواقف الاستراتيجية للحزب وابرزها الاتيان برئيس لا يزعج الحزب ولا المقاومة ان لم يتكامل معهما لاسيما ان الصراع هو اقليمي بامتياز، ولبنان تحول من خلاله الى ساحة لتصفية الحسابات. فانشغال طهران بملفها النووي والمفاوضات بشأنه مع الغرب، لا يلغي باي شكل من الاشكال اهتماماتها بالصراع العربي الاسرائيلي وما يتفرع عنه من محاور وجبهات خلفية لا بد من التوقف عندها قبل الشروع باجراء عمليات المقايضة، او حتى الحديث عن اي تسوية قريبة او بعيدة.
لم يأتِ توقف نصر الله مليا عند ارتباط الازمة الداخلية بازمات المنطقة، انما لعلمه اليقين بان الساحة المحلية تحولت الى طاولة كباش اقليمي بامتياز، بدليل ان دعوته تركزت على ضرورة لملمة الوضع بقدر الامكان وعدم الاستمرار بتصوير الحرب المستعرة في المنطقة على انها حرب سنية-شيعية ترتد على الوضع في لبنان، في ظل شحن مذهبي من بعض الافرقاء من جهة وتجييش الشارع ضد حزب الله والمقاومة من جهة ثانية، في اشارة واضحة الى الارتباطات بالمشاريع الاميركية-الاسرائيلية على حد وصفه.
في الموازاة، اعتبر قيادي في المستقبل ان دعوة نصر الله للحوار مع التيار جاءت في اعقاب اتصالات بين الفريقين على اعلى المستويات، وهي لم تعد خافية منذ احداث طرابلس الاخيرة وما رافقها من مواقف علنية اتبعها النائب الحريري بسلسلة من الاشارات، امتدت الى رفع الغطاء السياسي عن بعض القيادات الاصولية في صيدا ادت الى سلسلة من المداهمات نفذها الجيش اللبناني بعلم من القيادات مجتمعة بما فيها حزب الله، بما يعني ان الجليد بدأ بالذوبان بحيث جاءت دعوة نصر الله ومد يده في هذا الاتجاه او ذاك استكمالا لاتصالات سابقة اراد السيد منها حشر خصومه ودفعهم الى الاعتراف بموازين القوى الجديدة والمستجدة.