تعدّدت الأسباب والمبررات، والتمديد واحد. فبالرغم من مقاطعة نواب "التيار الوطني الحر" و"الكتائب"، ومعارضة "الطاشناق"، مرّ قطوع التمديد لأكثر من نصف ولاية بسهولة متوقعة بغطاء مسيحي أمّنته كتلة "القوات اللبنانية" وسائر الدائرين في فلكها من مسيحيي الرابع عشر من آذار ليتكرر المشهد، ويؤكد كل التوقعات والمعلومات المتداولة في الكواليس الاقليمية وأبرزها إدخال لبنان في حالة ستاتيكو والتأسيس لادارة الأزمة وفق المطلوب في مرحلة خلط الاوراق وانتظار نتائج التحولات وماهيتها وارتداداتها على البلاد.
التمديد بحّد ذاته، وبحسب سياسي مخضرم، يؤشر إلى أبعد من مجرّد خطوة يُراد منها نظريًا إبعاد الفراغ عن مراكز القرار المحلي، بل التأسيس لمزيد من الانقسامات في الشارع المسيحي وتحويل السجالات السياسية إلى اتهاماتٍ متبادلة أقلّ ما يُقال فيها أنّها ستسهم في انقساماتٍ عامودية حادة قد يدخل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على خطها، خصوصًا أنّ النبرة القاسية التي ضمّنها مواقفه الاخيرة تنمّ عن انزعاج كبير ممّا آلت إليه الأوضاع عمومًا وواقع الشارع المسيحي المتعدد الولاءات خصوصًا. فالوجود المسيحي المشرقي يتعرّض لانتكاساتٍ متلاحقة وهو يراوح بين حدّي التهجير القسري الناتج عن الحروب والتنكيل كما هو الحال في العراق وسوريا من جهة، والتهميش السياسي الناجم عن خلل ديمغرافي معطوفا على انقساماتٍ منعت من الالتزام بالمواعيد الدستورية.
ما يعزّز هذا الاعتقاد هو الحرب الاعلامية التي اشتعلت بعيد الاعلان عن التمديد للمجلس لمرة ثانية بين "التغيير والاصلاح" و"القوات اللبنانية" في ظل توزيع أدوار لافت للثانية بدأ مع المواقف المتغيّرة وانتهى إلى التصويت على التمديد لقاء أثمانٍ ما زالت مجهولة حتى الآن، من المرجح أن تكون سياسية بامتياز لاسيما أنّ نتائج استطلاعات الرأي الاخيرة التي أجرتها شركة اوروبية متخصصة ومكلفة من قيادات اقليمية ومحلية رفيعة المستوى أشارت إلى تراجع ملحوظ في شارع "تيار المستقبل" لمصلحة "القاعدة" وأخواتها من تيارات سلفية موالية للخارج الاقليمي، إضافة إلى تراجع مماثل في شارع "القوات" لمصلحة حزب "الكتائب" من جهة و"التيار الوطني الحر" من جهة ثانية، مع الاشارة إلى أنّ الاستطلاع جرى بعد أحداث القلمون وجرود عرسال والهجوم الشهير على الجيش اللبناني في الثاني من آب الماضي، ما دفع بالفريق القواتي إلى اعتماد مسرحية ناجحة، عززها المؤتمر الصحافي لرئيس "القوات" سمير جعجع وما تضمنه من مغالطات لم تنجح لا في تبرير الموقف، ولا بتغيير الواقع باعتبار أنّ الكتلة القواتية هي من أعطى الغطاء الميثاقي لعملية التمديد الثانية.
في المقابل، طرح السياسي المعني علامة استفهام حول ما إذا كان "التيار الوطني الحر" و"الكتائب" سينجحان في تغيير المشهد في ظل واقع يمكن من خلاله تعطيل التمديد وهو امتناع الوزراء عن التوقيع على المرسوم أم أنهم سيعيدون النظر ويرضخون للامر الواقع أو أنّ هناك مخارج لمسألة التوقيع على غرار العودة الى منظومة توقيع ثلثي الوزراء، وبالتالي ما هو الموقف الذي سيتخذه وزراء "حزب الله" من مسألة ضرورة توقيع مجلس الوزراء مجتمعا ليقوم مقام توقيع رئيس الجمهورية غير الموجود راهنا، إضافة إلى إمكانية نظر المجلس الدستوري في الدعوى التي سيقدمها نواب "التيار الوطني" الحر فور نشر المرسوم في الجريدة الرسمية في مشهد قد يعيد العلاقة بين مكونات الثامن من اذار إلى دائرة التشكيك وبالتالي الامعان في تكريس الفراغ الرئاسي.
ويخلص السياسي إلى التأكيد بأنّ هناك أزمة جديدة على وشك الظهور خصوصًا أنّ الشارع عموما بات على استعداد للحراك في ظل ازمات اقتصادية واجتماعية سياسية المنشأ من شأنها أن تسعر الاختلافات وتحولها إلى خلافات طويلة الامد مرهونة بسقف الحلول الاقليمية والتسويات الاكبر منها.