يستفيد الرئيس السابق ميشال سليمان من عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليحافظ على الحد الأدنى من الامتيازات، ولو الشكلية، للرئاسة في حوزته. يواصل اطلالاته الاعلامية وإطلاق المواقف السياسية. حركة تبدو، حتى الآن، بلا بركة. إلا أن الرجل يريد من اللبنانيين ألا ينسوه... عسى ولعلّ
ليس الفراغ في قصر بعبدا الرئاسي وحده. منزل الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان يسكنه الفراغ أيضاً، وقد ترك في عهدة الحراس. العائلة لا تتفقده إلا في «المناسبات الخاصة». منذ الخامس والعشرين من أيار، تاريخ انتهاء ولاية سليمان الرئاسية، «ما عم يدعس بعمشيت»، يقول أحد شبان البلدة. لكن، رغم ذلك، لم يغب الرجل عن الواجهة الاعلامية: يستقبل ويصرّح ويعلن مواقف ويرعى احتفالات... حتى ليكاد المرء يعتقد بأنه قد مُدِّد له على حين غفلة، طالما ان الموسم موسم تمديد.
منذ ما قبل انتهاء ولايته، أشاع المقربون منه أن خروجه من السلطة لن يعني انكفاءه عن العمل السياسي. خرج من القصر من دون أن يحقق حلمه بالتمديد، لكنه لا يزال يتصرف وكأنه لا يزال «ساكن بعبدا». آخر اطلالاته في 19 الشهر الماضي، أثناء رعايته وضع حجر الاساس لمستشفى جبيل الحكومي في ميفوق. يومها، وقف بكامل قيافته الرئاسية، وذكّر بأحبّ المواضيع الى قلبه، «اعلان بعبدا» الذي «لا يندثر او يلغى اذا تنكر له سياسيون»، مهاجماً «المكبّلين بإغراء السلطة»!
يقول الشاب العمشيتي إن «خطاب الرئيس في ميفوق كان استعراضاً غير قابل للصرف»، بخاصة أن ليس لفخامته «أي حيثية شعبية هنا». مرتان فقط، خلال سنوات ولايته الست، شعر أبناء عمشيت بأنهم معنيون بإبداء بعض العطف تجاه ابن بلدتهم، يقول أحد العمشيتيين في محله لبيع الهواتف. الاولى «حين وزّعوا البقلاوة احتفاءً بانتخابه، والثانية حين غادر بعبدا ودُعي الناس الى الترحيب به في منزله العمشيتي. ولكن عام 2008 كانت المشاعر أكثر صدقاً»! يضيف: «كان يزور البلدة في نهاية كل اسبوع ويفتح أبوابه أيام الأعياد. ولكن بعد خسارة مقربين منه الانتخابات البلدية عام 2010، أقفل منزله في وجهنا وبات يمارس سياسة كيدية».
يقول أحد وجهاء عمشيت إن الزعامات التقليدية ناصرت سليمان «لأنه كان في الحكم ويمثل الشرعية. ولكن في عمشيت ليس هو من يقرر. هناك عائلات تقليدية يعود القرار السياسي اليها». يحمّل الرجل «بعض أقرباء سليمان أخطاء ارتدّت عليه سلباً». فيما هو، على المستوى الشعبي، «لم يحاول التقرب من أحد. لم يسكن هنا. انتقل من بعبدا الى اليرزة». أما الاتصالات بينه وبين الناس فتتم بشكل فردي، «يتصل بعدد من الاشخاص طالباً لقاءهم. يتحدث أمامهم عن العفة وبأنه لم يضغط يوماً على الناس أو يحاول توجيه خياراتهم. ويوحي لهم برغبته في تشكيل مجموعة من الوسطيين». يعتبر الرجل أن «لا شيء يضع حداً لأحلام البعض إلا انتخابات نيابية تحدد حجم كل طرف ».
هذا على المستوى الشعبي في عمشيت، ولكن في السياسة الكلام أكثر عقلانية. يقول أحد من واظبوا على زيارته في بعبدا وتقديم المشورة له إن «سليمان، الذي اتُفق عليه في الدوحة وحددت له مهماته الرئاسية، عقلاني جداً». صحيح انه يرغب في تأسيس تنظيم سياسي جديد على غرار عدد من الرؤساء السابقين، «ولكنه يدرك جيداً أنه لا يملك رصيداً شعبياً في منطقته ينطلق منه لانشاء تيار سياسي». راودته فكرة «تشكيل جبهة سياسية، ولكن من سيكون حليفه باستثناء وليد جنبلاط؟ وهل يضمن أن يثبت البيك في هذا الحلف؟». أما ترشحه شخصياً في قضاء جبيل فـ «مستحيل لأن القضاء مقسوم سياسياً. يبقى خيار أن يرشح صهره أو ابنه في قضاء آخر من المرجح أن يكون كسروان». ولكن طالما أن لا انتخابات حتى الساعة، «فلن يكشف الرئيس أوراقه». وكل التحركات التي يقوم بها حالياً، «تندرج في إطار التأكيد للرأي العام أنه لا يزال جزءاً من الحياة السياسية. لا يريد أن ينساه الناس».
حليف سليمان، عضو الكتلة الوطنية جان حواط، ينفي علمه بما إذا كان الرئيس السابق يحضر لاستكمال «المسيرة»، قبل أن يستدرك: «الرجل قام بواجباته بشكل سليم». يعقّب على كلامه حليف جبيليّ آخر لسليمان: «من يُرِد أن يقود مشروعاً سياسياً، لا ينتظر الخروج من الحكم. كان عليه أن يبدأ من العام الاول لعهده». يتقاطع كلامه مع كلام سياسيّ ثالث من المنطقة نفسها، يقول متهكماً: «ميشال سليمان لائق وهادئ. لا أحد يشعر بوجوده في المنطقة». ثم يضيف بلهجة جدية: «سليمان ذكي، ويعرف جيداً أنه حالياً لا يمكنه القيام بأية خطوة طالما أن الجو السياسي ليس ملائماً».
على العكس من النواب الذين ينطلقون من مناطقهم، «على سليمان أن يثبت نفسه على صعيد الوطن أولاً، قبل أن يصل الى منطقته». فشل قائد الجيش السابق بإثبات نفسه على المستوى الوطني، فحتى اعلان بعبدا الذي يعتبره ثمرة عهده لا يتذكر منه اللبنانيون شيئاً سوى عنوانه. يعتبر السياسي أن نقطة قوة سليمان أنه «لم يتم انتخاب رئيس آخر للجمهورية. هو يستفيد من هذه النقطة، لأنه في معظم الاحتفالات التي يدعى اليها يعامل كرئيس». اضافة الى أنه لا يزال «ممثلاً في السلطة عبر وزرائه الثلاثة في الحكومة». على الرغم من أنه «لا أحد يعلم ممن تتألف عدّة سليمان ومن يناصره».
لم تتغير طريقة عمل سليمان بعد مغادرته القصر الجمهوري، ما زال يستقبل السياسيين، ويولم على شرف الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط ويطلق بيانات لا صدى لها. يقول السياسي الذي التقاه أخيراً إنه «لم يتحدث عن خطة عمل للمستقبل»، رغم أنه لا يرغب أن ينحصر دوره بارتياد نادي الرؤساء السابقين، ولا يريد أن تطويه ستائر النسيان.
في مكتبه في وزارة الشباب والرياضة، لا يزال الوزير عبد المطلب حناوي يصنف في خانة «حصة رئيس الجمهورية». يصف نفسه بـ«الحر، ما حدا الو عليي شي. ولكننا لا زلنا معه لان توجهاته تعجبنا». يعتبر حناوي، الذي شغل مركز مدير مكتب سليمان يوم كان قائداً للجيش ومستشاره في قصر بعبدا، أن الأخير لم يخطئ، «كان رئيساً مارونياً مع المقاومة، ولكن الجرة بينه وبين حزب الله انكسرت يوم انقطع الحوار». يلوم حزب الله لأنه «تقرب من (النائب ميشال) عون وتناسى مَن دعمَه خلال حرب تموز 2006». حاول حناوي تقريب وجهات النظر بين الطرفين، «لأنني مع المقاومة وأحبها. طلبت من حزب الله زيارة سليمان وسماعه تماماً مثلما يعاملون عون».
ما زال الوزراء الثلاثة: سمير مقبل وأليس شبطيني وحناوي يزورون سليمان سويّاً «كل أسبوعين أو عشرة أيام. نبحث في الوضع الاقليمي، اضافة الى أمور عائلية». يؤكد أن الرئيس «لا يتدخل ببنود جدول أعمال مجلس الوزراء. يكتفي بإبداء رأيه بشكل عام من دون أن يوجه خياراتنا». أما البنود الخلافية، فـ«نحن نستشير بعضنا كوزراء. كتلتنا ثلاثة وزراء، مش لعبة». ينفي حناوي أن يكون سليمان قد اخبره بنيته استكمال تجربته السياسية المتواضعة عبر تأسيس حزب أو الترشح الى الانتخابات النيابية، «والا لكان طلب مني أنا الترشح. أما بالنسبة لتحالفاته فنحن نسمع خاصة من الوزير وائل أبو فاعور أن الرئيس حليفهم. ولكن هو لم يفاتحني بشيء». تحركاته، برأي الوزير، عادية «فهو رئيس ولا يمكن منعه». لم يحسم حناوي قراره اذا كان سينضم الى سليمان في حال تأسيسه تياراً، «يجب أن ندرس برنامجه. لم أفكر في الأمر، ما بعرف».