انتهت معركة التمديد الثانية إلى حروب صغيرة بين أهل البيت الواحد من شأنها أن تصل إلى حدود إعادة خلط الاوراق على مستوى التفاهمات والتحالفات. فتداعيات التمديد هذه المرّة تخطت السقف في مشهدٍ طغت عليه الاتهامات المتبادلة بالارتهان إلى المواقف الخارجية، والضغط باتجاه تكريس الستاتيكو في ظلّ بصمات واضحة حملتها المعلومات المتداولة على أكثر من صعيد للمملكة العربية السعودية، وتحديدًا وزير خارجيتها الذي شدد على ضرورة التمديد للمجلس النيابي خلال لقاءاته مع كلّ من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والنائب سامي الجميل من جهة، واتصالاته بعدد من النواب المسيحيين الدائرين في فلك "تيار المستقبل" من جهة ثانية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول التفاهمات الاقليمية الأبعد، أي العلاقات بين إيران والمملكة، لاسيما أنّ "حزب الله" و"حركة أمل" تماهيا مع الموقف السعودي وسارا بخطى ثابتة باتجاه التمديد الذي هو بالاساس تمديدٌ لعمر الازمة وتكريسٌ لادارتها على النحو المعروف.
وقد طاولت الارتدادات فريقي الصراع الاساسيين، فمن جهة حرب اعلامية بين "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" من جهة و"حزب الكتائب" من جهة ثانية، خصوصًا أنّ موقف وزراء "الكتائب" خلال الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء تماهى مع موقف نواب الحزب لجهة رفض التوقيع على المرسوم المعجل المكرر مع علمهم اليقين بأنه سيمرّ مرور الكرام، نظرًا إلى أنّ المجلس الدستوري الذي لم يطعن بالتمديد الاول لن يطعن بالثاني، متذرّعًا بالتقارير الأمنية التي تؤكد عدم سماح الأوضاع باجراء انتخابات نيابية عامة، فضلا عن اعترافه المفترض بالاسباب الموجبة، بحيث تبقى كل الخطوات اللاحقة من دون جدوى. ومن جهة ثانية، سُجّل ظهور بوادر اختلافات في وجهات النظر بين "التيار الوطني الحر" من جهة و"حزب الله" و"حركة أمل" من جهة ثانية، خصوصًا بعد الرسائل المبطنة التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتبرير التمديد واعتباره أنه أنقذ البلاد من فراغ محتم، مع علمه الاكيد بأنّ المجلس الممدّد له هو الاقل إنتاجية والأكثر انقساما ويدين بالولاء إلى الخارج أو إلى الطوائف وليس الى الوطن بحسب بعض المصادر.
ويبدو المشهد في بعديه الدولي والاقليمي أكثر التصاقا بالواقع. فالصمت الدولي معطوفا على تصاريح اقليمية لا تقبل اللبس، أقرب إلى صفقة أو تسوية أراد مُعدوها تثبيت أمر واقع مفاده بأنّ لا حل في لبنان بمعزل عن الحلول في المنطقة، وبالتالي فإنّ الساحة المحلية باتت مرهونة بالتطورات الاقليميّة العاصفة بدءًا من العراق إلى اليمن فسوريا. فصحيح أنّ إيران تضرّرت من دخول "داعش" على الخط اللبناني بفعل ضوء أخضر أميركي خليجي إلا أنها ردّت في اليمن معلنة أنّ الحروب السياسية لا تنتهي بهذا الشكل أو ذاك إنما هي حلقة متصلة، ولذلك فإنّ الستاتيكو في لبنان مفيد بانتظار حسم هوية الرئيس العتيد وهو لن يتم في مطلق الاحوال في هذه المرحلة، بل سيكون ايذانا ببدء مرحلة جديدة لا يتوقع السياسيون أن تكون قريبة، إضافة إلى إدخال عوامل جديدة على الواقع الاقليمي وهو تقاطع مصالح بين القوى الاقليمية، أدّت بنتيجتها إلى توافق بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" و"حركة امل" على سلسلة من التدابير أبرزها التمديد للمجلس النيابي وعدم اسقاط الحكومة في السراي أو في الشارع، إنما الابقاء على الحالة الراهنة وتكريس أعرافها الجديدة، خصوصًا أنّ الديمقراطية في لبنان لم تكن يومًا صحيحة بل تبادل مصالح، فهي تعرّضت لسلسلة من الانتهاكات بدأت مع أولى الانتخابات النيابية بعد الطائف واستمرّت مع التمديد للرؤساء، ولم تنته مع فرض أمر واقع نيابي كان من المفترض أن ينتقده الغرب الديمقراطي لو لم يكن راضيًا عنه علنا وداعيًا له في السر.