في تسجيل صوتي تداولته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء في المنطقة والعالم في شهر كانون الأول من العام الماضي أكد الدكتور أيمن الظواهري أن جبهة النصرة هي فرع القاعدة الرسمي في سورية. وكان زعيم القاعدة ووريث بن لادن «الشرعي» يتوخى حسم الجدل والنزاع بين الجبهة وتنظيم داعش حول من يمثل القاعدة في سورية ولم يطل الزمن حتى تمردت داعش على الظواهري وشقت عصا الطاعة ثم توجت تحركها بإعلان زعيمها خليفة تطلب له البيعة وتدمغ بالردة عن الإسلام كل من لا يستجيب تحت طائلة هدر الدماء بحد السيوف.
تخيل كثيرون يومها أن إعلان الظواهري سوف يحرك حملة اميركية لتأديب «حلفائها» المتواطئين في احتضان وتبني القاعدة العدو الافتراضي اللدود للحكومات الغربية. ولكن رغم ذلك، الإعلان استمر تدفق المال والسلاح على جبهة النصرة من قطر أساسا ومن خطوط التمويل القاعدية في الخليج خصوصا كما حظيت جبهة النصرة بتسهيلات في تركيا بفضل الرعاية القطرية ومن خلالها في حين قاد أردوغان حملة التخديم المالي واللوجستي لتنظيم داعش المتحدر من القاعدة أيضا وما تزال تلك الحكومات المتورطة مع القاعدة ومشتقاتها تحظى برتبة الحليف الموثوق للولايات المتحدة التي تجعل في العلن من الحرب ضد القاعدة محورا استراتيجيا حاسما لتوجهاتها منذ 11 أيلول 2001.
التورط القطري السعودي التركي في استعمال القاعدة بجناحيها للنيل من الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد لم يكن اجتهادا منفردا ولا خيارا من خارج الخطة الأميركية ومن المعلوم تماما ان الذي وضع تلك الخطة وتابع تنفيذها هو الجنرال ديفيد بيترايوس عندما كان مديرا لوكالة الاستخبارات الأميركية وقد توجه في زيارة إلى المملكة السعودية منتصف عام 2012 التقى خلالها بالملك عبد الله بن عبد العزيز وناقش معه عددا من القضايا أبرزها مواصلة الحرب على سورية.
واحدثت غرفة عمليات مشتركة بين السعودية والأردن شرعت تنافس غرفة العمليات التركية وانطلقت في خريف العام نفسه طائرات النقل السعودية العملاقة في ست وسبعين رحلة جوية إلى الأردن وتركيا ناقلة أطنان السلاح من كرواتيا وشرع يتضاعف حشد القاعديين المتدفق إلى الميدان السوري عبر تركيا والأردن ولبنان من جميع بلدان العالم .
يومها كانت قد انقضت خمسة أعوام على مقالة الكاتب سايمور هيرش التي نشرها في «نيويوركر» عام 2007 واختار لها عنوان «إعادة التوجيه» ولم تكن شرارة العدوان على سورية قد انطلقت طبعا ومحور المقالة المطولة معلومات استقاها الكاتب من مصادره الموثوقة في اجهزة الاستخبارات ومراكز التخطيط الأميركية عن توجه جدي لاستعمال الفصائل القاعدية في استهداف الدولة الوطنية السورية وحزب الله. ولمن يلاحظ لم يتغير شيء على هذا الصعيد في خطب وتوجهات «داعش» و«النصرة» على السواء وتوقيت اعتماد ذلك التوجه في واشنطن يرتبط إلى حد بعيد بالنتائج الاستراتيجية لحرب تموز التي خاضها حزب الله ضد العدو الصهيوني وانتصر فيها بالاعتماد على الدعم السوري والإيراني.
رغم الفشل والهزائم التي منيت بها خطة «إعادة توجيه القاعدة « ورغم الارتياب الشديد من مخاطر ارتداد الإرهاب إلى نحور داعميه في سورية لا تظهر السياسة الأميركية جدية في التراجع عن تلك الخطة وحملة اوباما تبدو كناية عن محاولة احتواء أميركية في سورية والعراق ويتضح أكثر فأكثر ان الغاية ليست القضاء على الإرهاب بل ضبطه ضمن حدود خدمة الأهداف الأميركية ومنع ارتداده نحو الغرب فالخطة الأميركية الجاري تنفيذها تجتر رهانا مستمرا على استنزاف الدولة الوطنية السورية بدلا من التعاون معها وبغل اوباما الأعرج ما يزال تجميع بعض الفصائل الأخوانية السورية وتسميتها بالمعتدلة وهي ليست سوى تجمعات لصوص ومرتزقة وتكفيريين لا يختلفون جوهريا عن تركيبة جناحي القاعدة داعش والنصرة.
لكن العامل الأبرز هو الدخول الصريح للبعد الإسرائيلي في العدوان على سورية من خلال العلاقة المباشرة بين المخابرات الإسرائيلية وجبهة النصرة في الجولان برعاية قطرية وأردنية وهي أيضا ليست طفرة خارج التخطيط الأميركي.
الحزام العميل او الشريط العازل الذي تسعى إليه تل أبيب أنيط أمره عمليا بجبهة النصرة ومعها جماعات مسلحة ترعاها المخابرات الأردنية وتسلمها باليد للموساد عبر ممر منطقة الفصل في الجولان وهي ترفع يافطات كتائب ما يسمى بالجيش الحر وتتشكل من مقاتلين منتسبين إلى تنظيم الأخوان ومعبئين بأفكار السلفية الجهادية التي تتشبع بها بيئة القاعدة ويسبح فيها معظم من يقاتلون ضد الجيش العربي السوري.
طبعا لم يكن كثيرون يتخيلون نشوء مثل تلك العلاقة الحميمة بين مفردات القاعدة وتشكيلات الأخوان المسلمين والمخابرات الصهيونية لكن ذلك يحصل في سورية اما الراعي الأردني والممول القطري والسعودي والحاضن التركي فتلك ادوار متواصلة في العدوان على سورية وفي قلبها منافسات ومماحكات ومعارك تتعلق بالأحجام والأدوار وبنسب الاعتماد والحظوة لدى السيد الأميركي في قلب تحالف تتصدره إسرائيل والقاعدة بجناحيها : النصرة وداعش والباقي تفاصيل بكل ما فيه من صخب الأكاذيب الأميركية.