يستأثر النشاط الزائد في سلطنة عمان على الاهتمامات الاقليمية والدولية، في ظلّ معلوماتٍ متناقضة واردة من عاصمة السلطنة حول نتائج الاجتماعات المكوكية الحاصلة في مسقط برعاية السلطان قابوس بن سعيد، ومشاركة وزير خارجيته يوسف بن علوي لتحقيق تقدّم على مستوى الملف النووي الايراني من جهة ولتحقيق نجاح ما على مستوى ملف العلاقات السعودية الايرانية، التي تشهد الكثير من المدّ والجزر بعد محاولة كلّ من الدولتين تسجيل نقاط على جارتها، فالسعودية تضغط عبر تحريك جماعات لها باتجاه المراكز الاستراتيجية الموالية لطهران، بينما ترد الأخيرة الصاع صاعين في اليمن الذي يشكل ما يشبه الحديقة الخلفية والامتداد الطبيعي للأمن السعودي، في مشهدٍ يدعو الدولتين للتجاوب وإن مرحليًا أو جزئيًا مع التكليف العماني.
في هذا السياق، يكشف دبلوماسي شرقي أنّ الأمور ليست بالسوء الذي تحاول كلٌّ من واشنطن وطهران التسويق له، بل على العكس تمامًا فإنّ المستور يبدو أكثر إيجابية من المعلن، خصوصًا أنّ واشنطن تبدو مستعجلة لإعلان حلول ولو جزئية، نظرًا إلى عوامل إقليمية ودولية مستجدة متعلقة بالسياسة الخارجية لواشنطن، أبرزها نتائج الكباش السياسي بينها وبين موسكو في أوكرانيا، وثانيها بدء الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان مع ما يعنيه ذلك من مشهد مكرّر لانسحاب الجيش الأميركي من العراق، وتجيير المكاسب إلى طهران مع فارق بالزمان والمكان من دون مقاربة المصالح الخليجية، التي تتدرّج نزولا بالنسبة لسلم الأولويات الاميركية المتجه حصرًا إلى مزيد من الالتصاق بالمصالح الاستراتيجية والنفطية والاقتصادية لواشنطن. فالاجتماعات الحاصلة في المكان والزمان تحمل رمزية معيّنة لا بد من التوقف عندها، لاسيما أنّ السلطنة تبقى مربط خيل واشنطن وبريطانيا، وفي الوقت ذاته الشريكة الحقيقة لطهران من خلال وقوعها على تماس مباشر معها في مضيق هرمز، إضافة إلى كونها الأقلّ تورطا في أحداث المنطقة.
وليس بعيدًا عن ذلك، يبرّر الدبلوماسي تفاؤله بنتائج الاجتماعات مستندًا إلى عوامل اقتصادية متعلقة بالمشهد العام في المنطقة، فصحيح أنّ إيران تضرّرت بشكل مباشر من خفض سعر النفط إلى أدنى مستوياته، غير أنّ الافراج عن بعض الأصول المجمّدة شكل متنفسًا لاقتصاداتها المتكيّفة من الأساس مع الحصار المفروض عليها، بما يعني أنّ السماح لها بتصدير كميات محدّدة من نفطها أصبحت دون القيمة الاقتصادية المرجوة لطهران، إلا أنّ دخولها في أسواق الغاز والبنزين السوداء أعاد لها قسمًا من الخسائر بالمقارنة مع الأسعار الجديدة، والعامل هذا نفسه ينطبق على حليفتها موسكو التي وقّعت عقودًا طويلة الآجال امتدت إلى ثلاثين سنة مع حليفتها الصين، إضافة إلى استئثارها بالمعابر الغازية الاستراتيجية في أوكرانيا وقد شكل هذان الأمران عوامل تنفيس للاحتقان الاقتصادي، فيما وقعت الخسائر الاكبر على المملكة العربية السعودية التي أرغمت قسرًا على زيادة إنتاجها لخفض الأسعار لمنافسة "داعش" من جهة ولحشر إيران من جهة ثانية، من دون أن يكون لها تعويضات سياسية أو نفطية توازي خسائرها التي بدأت تنعكس على الدورة الاقتصادية السعودية معطوفة على تسديدها لثمن الحرب الغربية على الارهاب، بحيث شكل اجتماع مسقط حافزًا لها لتقديم تنازلات سياسية من المرجح أن تتمّ ترجمتها على الساحة النووية الايرانية من جهة وفي الميدان السوري من جهة ثانية.
ويخلص المصدر الشرقي إلى توقع نتائج ملموسة لهذه الاجتماعات خصوصًا أنّ اللحظة الاقليمية والدولية تبدو مؤاتية في هذه المرحلة نظرًا إلى التحولات وما رافقها من تداعيات، فضلا عن العوامل الاقتصادية الناجمة عن تدني اسعار النفط المقصود والمتعمد لرفع منسوب الضغط على الدول المعنية بالتسويات والملفات الضاغطة.