في الوقت الذي يغرق فيه اللبنانيون في العتمة ويتكبّدون أكلافاً باهظة لاستجرار البدائل، يحصل الآتي: تتوقف وزارة المال منذ 8 أشهر عن تسديد 4 فواتير بقيمة 36.7 مليون يورو مستحقة لشركة «BWSC» الدنماركية (وكيلها في لبنان مؤسسة حمود للتجارة).
هذه الشركة ملتزمة بإنشاء محركات عكسية جديدة في معملي الزوق والجية، بهدف إنتاج نحو 272.5 ميغاواط إضافية، أي ما يعادل 3.5 ساعات يومياً من التغذية بالتيار الكهربائي لجميع المناطق. الاشغال التي نفّذتها الشركة قطعت شوطاً كبيراً يصل الى 95% في الجية و80% في الزوق، وكان من المفترض تشغيل المحركات الجديدة تدريجاً بين آب الماضي وتشرين الثاني الجاري، إلا أن الشركة علّقت كل الاشغال المتبقية وتركت مواقع العمل احتجاجاً على عدم تسديد فواتيرها المستحقة، ولجأت الى العقد الموقع معها لتطالب بغرامات طائلة تقدّر بنحو 270 ألف يورو عن كل يوم تأخير. وبحسب مصادر وزارة الطاقة، بلغت قيمة الغرامات المطالب بها حتى الآن نحو 36.8 مليون يورو، أي ما يوازي قيمة الفواتير المستحقة للشركة، علماً بأن مصادر أخرى مطلعة تشير الى أن الانذارات الجديدة التي توجهها الشركة الدنماركية دورياً سترفع قيمة الغرامات الى نحو 50 مليون يورو حتى نهاية تشرين الثاني الجاري! ليس هذا فحسب، بل إن السفير الدنماركي في لبنان أبلغ الحكومة اللبنانية أن الشركة، مدعومة من الدولة الدنماركية، ستتخذ إجراءات إضافية في نهاية هذا الشهر لضمان حصولها على مستحقاتها، ومن ضمنها اللجوء الى «نادي باريس» للدول العاجزة عن السداد.
يقول فنيون في مؤسسة كهرباء لبنان إن الكلفة الاضافية المترتبة على استكمال الاشغال لا تقف عند الغرامات التي ترفع كلفة إنشاء المحركات الجديدة، بل تتعداها الى تهديد سلامة هذه المحركات المتروكة في مواجهة عوامل مؤذية في مواجهة البحر، ويخشى هؤلاء أن تتكرر واقعة عدم استكمال بناء مجموعة في معمل الحريشة في الثمانينيات، لتتحول لاحقاً الى خردة يتم استعمالها لتزويد مجموعات أخرى بقطع الغيار.
بحسب العقد الموقع مع الشركة الدنماركية، كان من المفترض أن يجري ربط المحركات العكسية الجديدة في معمل الجيّة على شبكة الكهرباء العامة في آب 2014، وأن يجري ربط محركات معمل الزوق في تشرين الثاني 2014، لينعم اللبنانيون بنحو 3.5 ساعات إضافية من التغذية بالتيار الكهربائي يومياً. فما هي القصّة؟
في منتصف عام 2012 لزّمت إدارة المناقصات مشروع تركيب محولات عكسية في معملي الزوق والجية إلى شركة «BWSC» الدنماركية. وقد رسا التلزيم على أساس دفتر شروط يحدّد المواصفات التقنية بكلفة 14.69 دولاراً لكل كيلواط ساعة في معمل الزوق، و15.08 دولاراً لكل كيلواط ساعة في معمل الجيّة، أي إن قيمة الصفقتين بلغت 360.7 مليون دولار (244.5 مليون دولار لتركيب المحولات في معمل الزوق لتجهيز نحو 194 ميغاواط إضافية، و116.24 مليون في معمل الجيّة لتجهيز 78.5 ميغاواط إضافية). جرى تأمين تمويل المشروع عبر اتفاقية قرض مع مصرفين أجنبين هما KWA وHSBC، بالاستناد الى القانون 181، وقد وقّع وزير المال السابق على هذه الاتفاقية الى جانب وزير الطاقة السابق.
قبل نحو ثمانية أشهر، وفي سياق الصراع على الريوع بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، قررت وزارة المال التوقف عن تسديد أي مبلغ للشركة الملتزمة، فتراكمت أربع فواتير قيمتها 36.7 مليون يورو. تقول مصادر وزارة الطاقة إن حجّة وزارة المال «ان اتفاقية التمويل لم تخضع لمواقفة ديوان المحاسبة»، إلا أن مصادر في وزارة المال تقول إن هناك «مخالفات ناتجة من وجود اتفاق جانبي ينطوي على تعديل لدفتر الشروط من دون موافقة ديوان المحاسبة».
في الشكل، تقول وزارة الطاقة «إن الفواتير المستحقة موقعة من لجان التسلم ومن الاستشاري، وإنه لا صلاحية لوزارة المال في الامتناع عن السداد سوى أنها تكبّد الدولة اللبنانية غرامات على التأخير، وتؤخّر تشغيل المعامل وربطها على الشبكة، فضلاً عمّا يترتب على الخزينة العامة من فوائد تستحق بسبب عدم سحب المبالغ وفق تفاصيل الاتفاق الموقع مع المصرفيين الأجنبيين».
بحسب الوقائع التي لا ينكرها الطرفان، فإن القصّة بدأت حين أعدّت الشركة الاستشارية تقريراً عن تقدّم الاعمال، وأشارت إلى أن شركة BWSC نفّذت بعض الأشغال بصورة مختلفة عن المواصفات الفنية المنصوص عليها في دفتر الشروط. ردّت الشركة الدنماركية بأن عقد التلزيم الموقّع معها من قبل وزارة الطاقة يمنحها «حق» تغيير بعض المواصفات استناداً إلى ما هو وارد في عرضها الذي حصلت بموجبه على الالتزام، وأن هذا الأمر منصوص عليه في اتفاق لاحق موقّع مع وزارة الطاقة. وهذه الأخيرة أفادت بأن الاتفاق الجانبي لا يغيّر في المواصفات الجوهرية للمحولات. إلا أن وزارة المال لا توافقها الرأي، وتتسلح بمراسلة من ديوان المحاسبة تشير إلى أن أي تعديل على الاتفاق، ولو كان غير جوهري، يجب أن يخضع لموافقة ديوان المحاسبة. أما مصادر وزارة الطاقة فتقول إنه «ليس هناك أي تعديل على الاتفاقية»، بل إن الاتفاق الجانبي جاء في سياق موافقة مجلس الوزراء على عرض الشركة الدنماركية الذي يتحدث عن بعض التعديلات الفنية الطفيفة، ولكنه لا يعدّل في شروط العقد الموقّّع معها والذي وافق عليه ديوان المحاسبة، وهو لا يمنح وزارة المال صلاحية الامتناع عن التسديد.
تقول مصادر وزارة المال إن الدفعات السابقة التي سدّدت للشركة الملتزمة BWSC، والتي بلغ عددها أربع دفعات، تمّت بناءً على تدخّل رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون الذي تعهد بالاستحصال على موافقة ديوان المحاسبة، «لكن هذا الأمر لم يتم كما اتفق عليه». وبحسب مصادر التيار الوطني الحر، فإن ما تريده حركة أمل من خلال عرقلة هذا المشروع هو فرض إعادة توزيع الحصص في عقود الكهرباء والنفط والمياومين. لذلك قد لا يوضع حد للنزاع القائم قريباً