ليس من باب المصادفة أن يكون "حزب الله" بما ومن يمثل في الحركة السياسية اللبنانية والعربية والاقليمية قد نبّه مراراً وتكراراً الى ضرورة متابعة أداء رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. فالحزب بما يملك من رؤية واضحة وقراءة مدروسة يعلم أن مهندس السياسات الناجحة على ندرتها في "تيار المستقبل" هو السنيورة.
في هذا السياق، قد يستغرب بعض المطّلعين بأن يكون نائب صيدا هو من أفشل وصول رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة، عبر خطوات مدروسة قام بها بالتنسيق مع حليفيه الأقوى في بيروت سمير جعجع وفي الرياض وزير الخارجية سعود الفيصل.
فتح السنيورة على حسابه في "تيار المستقبل"، فرئيس الحكومة السابق سعد الحريري ليس كوالده. ومن كان الرقم الأصعب في "تيار المستقبل" على حياة الحريري الأب بات قادراً أن يكون المقرّر الأصعب خلال مسيرة الحريري الابن، مستفيداً من علاقات ممتازة مع المملكة ومن ثقة الملك السعودي الكبيرة به، ناهيك عن علاقات دولية محبوكة من سنوات تولّيه وزارة المالية مرورًا برئاسة الوزراء وصولاً الى متعهّد سحب سلاح "حزب الله" أمام المجتمع الدولي.
وفي وقت كان وزير الخارجية جبران باسيل وزميله وزير التربية الياس بو صعب يعبّدان طريق قصر بعبدا أمام الجنرال عون داخليّاً وخارجيّاً، كان السنيورة يعمل في السرّ منتظراً لحظة الصفر للانقضاض على كل ما بُني بين الحريري وعون، مستفيداً من تهديد رئيس حزب "القوات اللبنانية" جعجع بفرط عقد الرابع عشر من آذار وخلط الأوراق وخصوصاً أن زمن الداعشيين بدأ يقلق السعوديين ومن وراءهم. وفي زيارة الى المملكة اثر تنسيق سنيوري فيصليّ جعجعيّ ومن دون علم الحريري، استطاعت الترويكا حسم أمر المملكة برفض تبني ترشيح عون الى الرئاسة.
ومن المضحك المبكي أنّ قرار المملكة الذي وصل عون لم يأت لعدم اقتناعها بضرورة ترشيحه بل لعدم قدرتها على رفض طلب الممسكين باللعبة السياسية في لبنان والرياض، الأمر الذي يكشف أن التودد العوني الى الحريري لم يكن مجدياً بل كان يجب على مستشاري الجنرال مساعدته على التودد الى السنيورة والى الفيصل بدل هدر الوقت حيث لا قرار ولا من يقرّرون. "حزب الله" كان يقرأ السيناريو ومن اللحظة الأولى وكان على يقين بأن السنيورة وحده من يملك القدرة على المجيء بعون رئيساً للجمهورية. فهل كان الحزب مراهناً على ما آلت اليه الأمور أم أنه كان رافضاً حث عون باتجاه مفاوضات مع من راهن وتعهّد بانهاء المقاومة؟ وهل موقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الأخير الذي تبنى به ترشيح عون رسالة واضحة للسعودية ولـ"تيار المستقبل" معاً بأن مرحلة المهادنة السياسية انتهت وبدأت مرحلة المواجهة المباشرة حتى في انتخابات الرئاسة؟ المهم أن ما قاله عضو "كتلة المستقبل" النائب أحمد فتفت كان كافياً لكسر الجرة نهائياً مع التيار العوني، والأهم أنّ "حزب الله" بدأ يدرس كيفية إحراج خصومه في السياسة من خلال النزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية بدقة تفضي الى انجاح عون على حساب جعجع. خطة جديدة تبدو للوهلة الأولى ناجحة الا أنها قد تخبئ في حناياها ترسيماً جديداً للعبة السياسية أو على الأقل حقلاً لغوياً جدياً في الخطاب السياسي لـ"حزب الله" الذي سيحضر جلسة أحد المرشّحين فيها سمير جعجع وقد يضطر الى التعامل معه كالمرشّح الرئاسي الأوحد للرابع عشر من آذار.
انه زمن التقلّبات.