كان من الغريب فعلاً أن يأتي الحديث عن "حزب الله" على لسان وزير الدفاع الاميركي تشاك هايغل في كاليفورنيا(1) خلال حديثه عن الخطط التي يضعها البنتاغون للمحافظة على استمرار التفوق العسكري الأميركي.

بالطبع ليس غريباً أن تستمرّ الولايات المتحدة ومسؤولوها في اعتبار حزب الله "منظمة ارهابية"، ولكن من ذكر "حزب الله" وحده في هذه المناسبة، دون سواه من المنظمات أو الدول التي تصنّفها الولايات المتحدة ارهابية، أو تعتبرها معادية لها أو "تأوي الارهاب والارهابيين".

فما الذي تغيّر بين عام 2006 و2014 بالنسبة إلى نظرة هايغل لـ"حزب الله"؟(2)

كانت السنوات الثماني الاخيرة كفيلة برؤية مدى التطور الميداني والسياسي الذي اكتسبه "حزب الله"، وأتت الحرب في سوريا لتثبت بما لا يقبل الشك أنّ الحزب لم يعد لاعباً محلياً، بل تحول إلى لاعب اقليمي.

بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 ونجاح الحزب في "البقاء على قيد الحياة"، تغيّرت النظرة الدولية للحزب وتأكدت عدم القدرة على تحييده أو غضّ النظر عن رأيه بالنسبة إلى كل ما يتعلق بلبنان. وبعد الحرب السورية ونجاح الحزب في تغيير ميزان القوى، باعتراف الجميع، تأكد أيضًا أنّ الحزب نجح في التوسّع وبات لاعباً إقليمياً يُحسَب له حساب. ومن الطبيعي أن يرى هايغل وغيره أنّ "حزب الله" يختلف عن كل المنظمات الاخرى أكانت إرهابية بالفعل أم مصنّفة إرهابية لغايات سياسية أو اقتصادية أو كوسيلة ضغط على دول أخرى.

من هنا، كان الحديث عن "حزب الله" في كلمة هايغل في موضوع بالغ الاهمية وهو سبل إبقاء التفوق العسكري لأميركا في العالم، لعلم هايغل أنّ الحزب لا يشبه سواه ومقومات وجوده واستمراره لا يمكن القضاء عليها بالقوة على عكس المنظمات الاخرى، فهو يمثّل طائفة كبيرة هي الطائفة الشيعية (باثبات الانتخابات النيابية اللبنانية)، كما أنه يعرف كيفية الاستفادة من التكنولوجيا والسلاح المتطور الذي يحصل عليه من دول عدة وفي مقدمها طبعاً إيران.

أما النقطة الثانية، التي يجدر التوقف عندها في استقدام هايغل لـ"حزب الله" في كلمته، فتتعلق بعمق علاقته بإيران. وقد بدأ هايغل كلمته في المنتدى المذكور بالاشارة الى انه "فيما كانت الولايات المتحدة منخرطة بالحروب في العراق وافغانستان، استثمرت قوى كبرى على غرار روسيا والصين في تطوير قوتها العسكرية وخصوصاً في مجالات الطائرات الحديثة والغواصات والصواريخ ذات المدى الطويل والدقيق".

وهذا الأمر يعيدنا مجدّداً إلى ما كنا تحدثنا عنه في مقال سابق(3) من نظرة مريبة للاميركيين إلى التعاون الذي تقيمه إيران مع روسيا والصين. وقد رغب هايغل بالتأكيد توجيه رسالة إلى الدول الثلاث بأنّ اميركا لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تعاونها، وبما أنه لا يرغب في "صبّ الزيت على النار" مع روسيا، ويتفادى إيقاظ المارد الصيني النائم، وعدم تعكير صفو المحادثات الايرانية-الاميركية-الاوروبية، كان الأفضل اللجوء إلى "حزب الله" نظراً الى الرابط مع ايران والى الدور الذي يلعبه في سوريا.

ولا شكّ أنّ هايغل رغب أيضاً في توجيه رسالة إلى مجلسي النواب والشيوخ مفادها أنّ تقليص ميزانية الدفاع ستشكل خطراً مستقبلياً على واشنطن، وأنه يجب استدراك الأمر قبل الوصول إلى واقع أنّ أميركا قد أصبحت متأخرة في مجال السلاح والتكنولوجيا العسكرية.

رسائل كثيرة وزعها هايغل عبر صندوق بريد "حزب الله"، ويبقى معرفة ردود الفعل على هذه الرسائل من المعنيين بها.

(1)بتاريخ 15/11/2014، أعلن وزير الدفاع الاميركي تشاك هايغل خلال قراءته لملاحظات وضعها خلال إلقائه كلمة في منتدى يعنى بالشؤون الدفاعية في مكتبة رونالد ريغان الرئاسية، أنّ "التكنولوجيا والاسلحة التي كانت افكاراً حصرية للدول المتقدمة، باتت اليوم متوافرة لشريحة كبيرة لعسكريين ولاشخاص غير تابعين لدول، من استفزازات كوريا الشمالية الخطيرة الى منظمات ارهابية على غرار حزب الله".

(2)في العام 2006، كان تشاك هايغل سيناتوراً عن نبراسكا، وكان بين السيناتورات الـ12 الذين رفضوا إرسال رسالة إلى الاتحاد الاوروبي لحثّه على اعتبار "حزب الله" منظمة ارهابية.

(3)بتاريخ 4/10/2014 نُشِرَ مقال في "النشرة" تحت عنوان: "أميركا تحدد محور الشر الجديد: ايران-الصين وروسيا".