على مسافة أيامٍ قليلة على انتهاء المهلة المحددة لتوقيع الاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية، تتكثف الاتصالات والاجتماعات المعلنة وغير المعلنة في جنيف في ظلّ معلومات تتناقلها الكواليس الدبلوماسية مفادها أنّ السقف المتوقع لهذه اللقاءات هو تمديد مرحلة التفاوض لأشهر قليلة جديدة، خصوصًا أنّ واشنطن لا تضع في حساباتها العودة الميدانية المباشرة الى الخليج العربي، ما يعني أنّ توقيع الاتفاق عاجلا أو آجلا هو الحلّ الوحيد المتاح أمام الغرب وواشنطن التي تدرك جيّدًا بأنّ الوقت يلعب إلى جانب ايران وبرنامجها النووي على اعتبار أنّ العقوبات لم تمنعها سابقًا من مواصلة التخصيب والعمل على تطوير اجهزة الطرد المركزي، وذلك في موازاة تقارير علمية واستخبارية وصلت إلى الادارة الاميركية مفادها أنّ إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من تجميع عناصر السلاح النووي وامتلاكه اذا ارادت، ما يعني أنّ إيران هي التي تمتلك الاوراق الرابحة بعد استنفاد الغرب لاوراقه على صعيد العقوبات ومستوى خفض أسعار النفط.
في هذا الوقت، توقف المراقبون عند اجتماعات الرياض وما توصّلت إليه لجهة الغمز من قناة مصر والتشديد على ضرورة مواجهة الخلل القائم بين المملكة وقطر لا سيما أنّها جاءت بالتزامن الكامل مع اجتماعات جنيف النووية، مع الاشارة إلى أنّ الرياض تلقت تقارير وافية عن سير المفاوضات وفيها أنّ الحل الوحيد المُتاح أمام الغرب هو إبرام تسوية مع الايرانيين حتى لو كان ذلك على حساب بعض الحلفاء أو التحالفات، وهذا بالتحديد ما دفع بالرياض للدعوة إلى عقد لقاءاتٍ على أراضيها لاعادة النظر بمواقفها من مصر وقطر وسائر الدول العربية والاسلامية، بما يعني أنها بدأت تبحث عن الحلول الأقلّ إحراجًا لها ولمسار سياساتها الخارجية التي أسّست إلى ما يمكن اعتباره خريطة سياسية جديدة قائمة على مبدأ محاولات قلب المشهد الاقليمي برمته من خلال دعم الاسلام المتطرف ومن ثم الشعور بخطره ولكن بعد فوات الاوان.
وليس بعيدًا عن ذلك، تعتبر الاوساط المتابعة أنّ الأيام القليلة الفاصلة ستحمل الكثير من التحركات التي ستبدأ بلقاءات بين وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والسعودي سعود الفيصل في جنيف، والتي قد تكون حاسمة على صعيد تحديد روزنامة المرحلة المقبلة في ظلّ خلل فاضح لموازين القوى لمصلحة طهران بدأ مع وصول الحوثيين إلى العاصمة اليمنية ومن بعدها الى الحدود مع المملكة من جهة والبحر الاحمر من جهة ثانية، مع ما يعنيه ذلك من تمدد للنفوذ الايراني على حساب النفوذ السعودي، واستمراره مع تردي العلاقات بين الرياض والدوحة مع ما يحمله هذا التوتر من تداعيات وارتدادات على علاقة "النصرة" بـ"داعش" وصلت في الكثير من الاحيان الى مواجهات مباشرة بينهما، كما ادت الى عرقلة مسيرة التقارب التي تحاول قطر انتهاجها تجاه بعض الدول العربية والاسلامية على غرار لبنان من خلال الدخول على خط تبريد ملف العسكريين المخطوفين، او سوريا عبر الغمز من قناة "داعش" وتكفيرها.
وتخلص الاوساط عينها إلى الاعتبار أنّ التحالف الاميركي السعودي يعاني من خلل ما على صعيد العالمين العربي والاسلامي، خصوصًا أنّ الخطوات التي اعتمدتها واشنطن للضغط على إيران أصابت بمجملها المملكة بالنسبة ذاتها، فخفض أسعار النفط ارتدّ على مالية المملكة وموازنتها الخارجية في ظل التزامات كبيرة بتسديد قسم كبير من نفقات الحرب على "داعش"، إضافة إلى أنّ تحريك الدولة الاسلامية دفع بايران للرد في اليمن وسوريا حيث يسجل الحوثيون والجيش السوري نقاطا ثمينة على "داعش" والمحور الممول لها، فضلا عن انكفاء محدود لسطوة "النصرة" وسائر التنظيمات الممولة من قطر في مشهد يرسم موازين قوى جديدة لا بد من الاستفادة منها عاجلا ام آجلا.