في وقتٍ انتهى فيه اجتماع المجلس الدستوري إلى مزيدٍ من الغموض على صعيد المشهد السياسي العام، توقف سياسي قريبٌ من الرابية عند التشرذم المسيحي المستشري بشكلٍ لافت بعد التمديد للمجلس النيابي، وما تلاه من تكريسٍ للفراغ الرئاسي في ظل أوضاعٍ إقليمية متغيرة، وهو التشرذم الذي بدأه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع فور الانتهاء من جلسة التمديد بمؤتمر صحافي حمل فيه على معارضيه بمن فيهم حزب "الكتائب" الذي تماهى بموقفه من التمديد مع كتلة "التغيير والاصلاح"، واستكمله رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بردود تراوحت بين الاتهام بشرذمة الصف المسيحي والالتزام بتوجيهات خارجية، اضافة الى اطلالة لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية حملت انتقادات ضمنية للوضع السائد على الساحة المسيحية، ولم ينته مع دخول جعجع على خط زحلة المستقرة نسبيًا مع اقتراب خطر التكفير من حدودها الجغرافية واعادتها الى دائرة التجاذب المسيحي من خلال فتح دفاتر قديمة يحاول المسيحيون تناسيها في الظرف الراهن، ما استدعى ردًا قاسياً من رئيس "الكتلة الشعبية" الياس سكاف ذكر خلاله بيوميات الحرب القاسية والتضحيات التي قدّمها أهل المدينة لاسيما في سنوات الحرب في مشهد أعاد إلى الاذهان الصراع المسيحي-المسيحي الذي يتجدد مع كل استحقاق نيابي أو رئاسي أو حتى أدنى من ذلك.
بيد أنّ سكاف تعمّد اظهار الخلل القائم في التركيبة الحزبية القائمة على الانتقال من جبهة داخلية إلى أخرى لتسجيل بعض النقاط على خصم سياسي مفترض خصوصًا في المناطق المسيحية الحساسة التي تشكل بيضة القبان، لرسم موازين القوى الاساسية القادرة على تحديد مستقبل التحالفات الخاضعة لاحجام وأوزان لا تمتّ إلى الستاتيكو الداخلي بصلة، ولا الى المصالح الاستراتيجية للاحزاب التي تنتقل من موقع إلى آخر ملتزمة بأجنداتٍ خارجية قائمة على تحديد نقاط الضعف والقوة، للاستفادة منها في الحرب السياسية المندلعة في العالمين العربي والاسلامي.
في هذا السياق، طرح السياسي علامة استفهام حول السرّ الكامن وراء الهجمة المسيحية القادمة من خارج البقاع على المدينة المسيحية الاكبر لا سيما في هذه المرحلة الحرجة، حيث تقع المدينة برمتها على تماس خطير مع الجرود المحيطة بها من جهة، ومع السهل المحاذي لها والذي يشهد إقبالا زائدًا من النازحين السوريين، مع من يضمون من عناصر قادرة على حمل السلاح وتشكيل نواة خلايا ارهابية قادرة على التحرك في كل اتجاه، في ظل فوضى سياسية عارمة لا يمكن الخروج منها الا بعد حوار طويل متعذر راهنا، نظرا للتدخلات الخارجية والتداخلات الاقليمية والداخلية القائمة على مروحة من التحالفات الهشة القابلة للانفراط عند حلول موعد الاستحقاقات الكبرى، بحيث يُظهر تبدل المزاج الشعبي أنّ الامور قد لا تسير بالاتجاه المرسوم لها من قبل المتحالفين انفسهم. فالتبدلات السريعة والمتسارعة على مستوى الخريطة الجيوسياسية قد ترخي بظلالها الثقيلة على الاوضاع برمتها.
وليس بعيدًا عن ذلك، يتوقف السياسي عينه عند النجاح الباهر في عملية توزيع الادوار بين القوى الاذارية بشكل عام، فالمواقف المتناقضة الصادرة عن قياداتها معطوفة على الاداء المنسق تظهر جليًا أنّ لهذا الفريق تطلعات سياسية أبعد من رئاسة الجمهورية لتصل إلى حد تعميم الفراغ، بحيث لا يستبعد المصدر أن يفاجئ المجلس الدستوري البعض بقرارات غير متوقعة، ما سيزيد الارباك ويدفع باتجاهات مختلفة من ضمنها التمهيد لفراغ شامل يشجع الارهابيين على تحريك الجبهات والخلايا في وقت واحد، لاسيما ان الطقس بدأ يداهم الجميع بمن فيهم الجيش اللبناني و"حزب الله" باعتبارهما متواجدان في الجرود أيضًا، وإن كان بشروط أخفّ وطأة لجهة خطوط الامداد والتموين من دون أن يعني ذلك أن حظوظ الهدوء على جبهات البقاع برمته ترتفع، بل على العكس تمامًا.