لا تزال آمال الفلسطينيين، الذين دمّر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، بإعادة إعمارها تصطدم بمعوقات متعددة، بدءًا بأوضاع الفصائل الفلسطينية الداخلية خصوصاً مع تصاعد حدة الخلافات بين حركتي "فتح" و "حماس" وليس انتهاءً بإسرائيل التي "لا تريد إعمار غزة وتناور وتستفيد من الوقت"، وفقاً للمراقبين.
مع ذلك، يستمرّ مشهد الحصار الإسرائيلي على حاله في القطاع، بعد أن اعتقد الجميع أنه سيتفكك بعد العدوان الأخير، لكن إسرائيل أبقت إجراءاتها على المعابر وفرضت آليات مجحفة لعملية إدخال مواد البناء، إلى جانب ازدياد مشكلات وأزمات الأهالي، والتي يمكن أن تولد الانفجار بحسب البعض.
تفاؤل ومعوقات..
يوضح رئيس الغرفة التجارية الفلسطينية في قطاع غزة ماهر الطبّاع أنّ المواطنين الغزيين تفاءلوا بعد إعلان وقف إطلاق النار الأخير، بإنهاء الحصار بشكل كامل، وإنهاء حقبة سوداء من تاريخ حياتهم، تعرّضوا خلالها لحصار خانق، ولكن للأسف، معوقات إعادة إعمار منازلهم المدمّرة طَفَت الى العلن، بدءاً بآليات جديدة لإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، وليس بمراقبتها.
وفي حديث إلى "النشرة"، يشير الطباع إلى أنّ كلّ ذلك يعيق عملية إعادة الإعمار، لافتاً إلى أنّ الحصار ما زال مفروضاً على القطاع، مع مرور ثلاثة شهور على وقف إطلاق النار، موضحاً أنه لم يحدث أي تغيير بالمطلق على المعابر، وهي مغلقة باستثناء معبر "كرم أبو سالم" المخصص لإدخال البضائع.
ويؤكد الطبّاع أن عدم وجود مصالحة حقيقية بين الفصائل الفلسطينية، سوف يؤثر بالسلب على عملية إعادة الإعمار، ويؤدّي إلى فقدان الثقة لدى المانحين، في ظلّ عدم وجود حلّ سياسي أيضاً ينهي الأزمة الفلسطينية، ما يساهم في تعثر عملية إعادة الإعمار.
أهل الإعمار ينتظرون!
أما القيادي البارز في حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين خالد البطش، فيرى أن حالة التراشق الإعلامي الحاصلة بين حركتي "فتح" و "حماس" تنعكس سلباً على ملف إعادة الإعمار ولا تؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية، مشدداً على ضرورة وقفها حتى لا تتصاعد مواقف الطرفين أكثر.
ويقول البطش لـ"النشرة" إنّ "الكلّ مطالب بوقف أي تراشق إعلامي بدءاً بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وانتهاءً بآخر مسؤول فلسطيني لمصلحة أصحاب البيوت المدمرة والشهداء والقدس وأبناء شعبنا الفلسطيني"، ويشدّد على أنّ "أهل الإعمار في غزة ينتظرون إعادة الإعمار بشكل حقيقي ولا ينتظرون خطابات وأحاديث وتراشقات إعلامية".
آن الأوان..
"الانفجار قادم"، هذا ما يؤكد عليه أستاذ الاقتصاد في الجامعة الإسلامية بغزة محمد مقداد، والذي يشير إلى أنه سيخرج من غزة إلى خارجها، لأن واقع الناس لا يسمح أبداً باستمرار عدم البدء في إعادة الإعمار وحصار غزة وتبعيتها لإسرائيل.
وفي حديث مع "النشرة"، يقول مقداد "إن إعادة الإعمار ستؤدي إلى تلبية حاجات الفلسطينيين المدمرة منازلهم، ويقيمون الآن فوق ركامها، ومراكز الإيواء"، لافتاً إلى أنه آن الأوان ليعيش الشعب الفلسطيني حياة كريمة وأن يعود طلاب العلم إلى مدارسهم، وتعود المصانع للعمل ودون ذلك فالشعب الفلسطيني سينفجر.
ويضيف مقداد: "مطلوب من كل الفصائل الفلسطينية أن يكونوا على يقين بهذه الحقيقة جيداً، وأن يضغطوا على الاحتلال الاسرائيلي والأمم المتحدة لايجاد آلية أفضل وأكثر منطقية في إعادة الإعمار".
إسرائيل لا تريد الإعمار
أما الكاتب والمحلل السياسي وليد المدلل، فيرى أن البيت الفلسطيني الداخلي يحتاج إلى توحيد على الأقل تجاه كل القضايا المتفجرة وفي مقدمتها إعادة الإعمار، لافتاً إلى أن عدم وجود خطة إعمار فلسطينية-فلسطينية يتم وضعها أمام العالم دون تلقي خطط إعمار من جهات مختلفة يشكل عائقاً أمام ملف الإعمار أيضاً.
المدلل يشدد أيضاً في حديثه لـ"النشرة" على أنّ إسرائيل لا تريد إعادة إعمار لقطاع غزة، وهي تناور وتستفيد من الوقت ومن الأموال التي جُمعت من الدول المانحة في مؤتمر المانحين الماضي، قائلاً: "إسرائيل تحاول أن تستفيد من الحرب والسلم والآليات التي يوافق عليها الاحتلال تراق عملية الاعمار منذ البدء حتى النهاية".
ويوضح المدلل أنّ المجتمع الدولي متواطئ كثيراً مع إسرائيل باعاقة ملف إعادة الإعمار بسبب التدويل المؤيّد للحصار وشرعنته، إلى جانب غياب الطرف العربي الّذي يدفع الأموال لجهات دولية المستفيد الأكبر منها، إذ أن أكثر من خمسها يذهب كنفقات على الخبراء والمستشارين وغيرها.
أخيراً، مع تعثر إعادة إعمار غزة حتى الآن وعجز القيادات السياسية والفصائلية في تسريع عملية الإعمار، يأمل أصحاب البيوت المدمرة الذين لا ذنب لهم بخلافات الفصائل الداخلية أو حتى بالآليات الأميركية الإسرائيلية التي وافق عليها السياسيون الفلسطينيون والمتعلقة بعملية إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، البدء الفوري بإعادة إعمار منازلهم التي دمرها الاحتلال، والضغط على المجتمع الدولي باتجاه تغيير الشروط المجحفة لدخول مواد البناء، وتحييد هذا الملف عن كافة القضايا السياسية.