أمام حماسة النائب سعد الحريري لفتح حوار مباشر مع حزب الله، يقف الرئيس فؤاد السنيورة عاجزاً عن مواجهة الجناح المستقبلي المنفتح على هذا الخيار. يدعو الرجل رئيس تياره إلى «التفكير مرتّين». في المقابل يطمئن «خصوم» السنيورة في المستقبل الى أن «الشيخ سعد ذاهب إلى الحوار»، بجدول أعمال يقول مقربون من الرئيس نبيه برّي إنه «سلّة متكاملة»
يبقى الحوار المرتقب بين تيار المستقبل وحزب الله «حديث الساعة». برُغم الإشارات الإيجابية التي لا ينفك رئيس مجلس النواب نبيه برّي يُطلقها، لا تزال الشكوك تُحيط بإمكان انتقال الكلام من خانة التمنيّات إلى خانة الواقع. أوساط المستقبليين تغصّ بالهمس عن «انقسام داخل التيار في شأن الحوار مع الحزب: واحد منفتح يُمثله جناح وزير الداخلية نهاد المشنوق، ونادر الحريري، مستشار النائب سعد الحريري، وآخر متشّدد يُديره الرئيس فؤاد السنيورة».
الأخير، بحسب مصادر مطلعة في المستقبل، يدفع بالحريري إلى «التفكير مرتّين»، وهو «منزعج من هرولة رئيس تيار المستقبل في اتجاه هذا الحوار مهما تكُن نتائجه».على كل حال، ينتظر الجميع ما سيُدلي به الحريري في حديثه التلفزيوني بعد غد. ولهذه الغاية، لم يوفّر شخصية مستقبلية أو في فريق الرابع عشر من آذار إلا استقبلها في الرياض، أو دعاها للقائه في باريس، لوضعها في إطار ما سيعلنه خلال إطلالته المقبلة، ولا سيما لجهة ما حُكي عن جدول أعمال للحوار على نحو يضمن نجاحه. فهل هناك فعلاً جدول أعمال؟
مصادر نيابية بارزة زارت الحريري في الرياض أكّدت لـ «الأخبار» أن «لا جدول أعمال بالمعنى الحرفي للكلمة». «زبدة» ما قاله «الشيخ» لمستشاريه ونوابه ممن إالتقاهم إنه «ذاهب إلى الحوار مع حزب الله للتفاهم حول نقاط مختلف عليها، أو بحاجة إلى النقاش، لتكون مقدّمة لحوار أوسع وأشمل مع مختلف الأطراف اللبنانية، وطبعاً لرئاسة الجمهورية نصيب كبير فيها، كما أن التنسيق مع الرئيس برّي ومعاونه السياسي الوزير علي حسن خليل وصل إلى مرحلة متقدّمة».
أراحت أجواء الحريري كل المتحمسّين والراغبين في إعادة الوصل مع الحزب.، ولكن في مقابل هذا الاطمئنان «يزداد توّتر الرئيس السنيورة الذي جهد في إقناع المستقبليين بأن الحوار يجب أن يبقى محصوراً بنقطتين لا ثالث لهما: قتال الحزب في سوريا، وانتخاب رئيس للجمهورية».
لا حديث عن انسحاب حزب الله من سوريا لأن الأمر لم يعُد مسألة لبنانية داخلية
ولأن «الرجل مقتنع بأن الحزب غير مستعدّ للخروج من مستنقعه الإقليمي، ولا التخلّي عن مرشحه العماد ميشال عون لمصلحة أي تسوية، فإنه بالتالي لا يجد من داع للحوار المباشر ما دام الطرفان يشاركان في حكومة واحدة على قاعدة ربط النزاع. وهو قال بالحرف الواحد: الصورة مع حزب الله ستحرجنا»!
برغم ذلك، بحسب مصادر مقرّبة من الحريري، يصمّ الأخير أذنيه عن «نصائح» السنيورة، لاعتبارات عدّة. أولها، أنه «تعهّد للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، أن التمديد لا يعني أنه سيتوقّف عن اطلاق المبادرات، وهو مصر على أن يكون الطرف المسيحي في البلد شريكاً في إدارة الأزمة، كما يفعل الفريق الشيعي في مجلس النواب، والفريق السنّي في الحكومة». وهذا الأمر لن يحصل في رأيه إلا من خلال «تشاور ينتج رئيساً يتولى بدوره إطلاق حوار عنوانه الرئيسي: فكّ الاشتباك مع الأزمة السورية». وللمفارقة «لن يكون الحديث عن قتال الحزب داخل سوريا محطّ جدال، ولن يُطالب أحد بانسحابه، على اعتبار أن قراره بأن يكون هناك لم يعُد مسألة لبنانية داخلية». ثانياً «يتخوّف الحريري من فشل المفاوضات الإيرانية – الأميركية، لذا يبحث عما يمكن أن يساعد على تلافي تداعيات هذا الفشل في حال وقوعه، وجدار الحماية من أي تداعيات لن يكتمل الإ باتفاق شامل بيننا وبين حزب الله». أما الاعتبار الثالث، وهو الأهم في رأي المصادر نفسها، فهو أن «رئيس تيار المستقبل يفسّر الارتباك العوني بأنه قلق من إشارات تنذر بوجود ميل لدى حزب الله الى الذهاب في اتجاه تسوية رئاسية». ومن هذا المنطلق، أسّر الحريري إلى مقربّين منه: «فليكن حوارنا مع حزب الله جسّ نبض علّنا ننجح في إحداث خرق ما. القصّة ليست قصّة مجازفة، لكن هل أمامنا خيارات بديلة؟».
وفي الوقت الذي يُصر فيه السنيورة على أن «الحزب ليس في وارد التخلّي عن مرشّحه الرئاسي بأي شكل من الأشكال»، ثمّة من أقنع الحريري بأن «برّي طيّر خيار العماد عون بملف التمديد، كما سيهمّش رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إذا سارت رياح الحوار كما اشتهتها سفن رئيس المجلس، وبالتالي لن يعود الطرفان عقدة في طريق الحل». أما الحجة التي استخدمت لطمأنته، فكانت بتذكير الحريري «بالدعوة العونية للمنازلة الرئاسية بين الجنرال والحكيم في الهيئة العامة، وهي دعوة تلقفّها جعجع برد فعل عفوي وإيجابي، بعدما شعر بأن ثنائية حزب الله – المستقبل يُمكن أن تخرجه وعون من ملعب الرئاسة».
على الضفّة الأخرى، تكثّف ماكينة الرئيس برّي اتصالاتها وتنسيقها مع المستقبل وحزب الله. في عين التينة يأخذ جدول أعمال الحوار منحى أكثر جدّية. في الشكل، تقول أوساط برّي إنه «يتعلّق بالاستقرار الأمني الذي يمكن أن يؤمّنه هذا الحوار، ومن بعده آليات العمل في الحكومة ومجلس النواب»، لكنّ مقربين من رئيس المجلس، يؤكدون أن «برّي يُصر على أن يكون هذا الجدول بمثابة سلّة متكاملة رباعية الأضلاع: بداية الاتفاق على رئيس للجمهورية، قانون انتخابات، إجراء انتخابات نيابية، وصولاً إلى شكل الحكومة بعد ذلك». ولا يبدو أن هناك قلقاً من أن يؤدّي ضغط السنيورة إلى نسف كل الجهود المبذولة منذ أشهر في سبيل فتح باب حوار مباشر بين الحزب والتيار. وتبدو أوساط مقربة من عين التينة واثقة بأن «جناحاً مستقبلياً أقوى وأذكى من جناح السنيورة يدعم جهودها ويتقاطع معها». وتقول هذه الأوساط: «أنظروا إلى أصحاب الخطابات النارية في كتلة المستقبل كيف التزموا الصمت. هذه الصورة وحدها كافية للقول بأن الحوار الذي يريده الحريري بقدر ما نريده نحن وحزب الله، سيكون عصيّاً على أي محاولات لعرقلته».