عام 1958 تدنت نسبة المتساقطات في لبنان إلى ما دون الخمسمئة ملم، فدخلت تلك السنة تاريخ لبنان على أنها السنة الأكثر جفافا. يومها، قامت بلدية بيروت عبر أجهزتها بتوزيع المياه "بالطناجر" على المنازل، إلا أنّ عدد سكان المدينة في ذلك الوقت لم يكن ضخمًا فتمّ تدارك ذلك الجفاف. ولكن، حسب احصاءات مصلحة الارصاد الجوية في مطار بيروت الدولي، فإن العام 1958 لم يكن وحيدا بل سبقه العام 1957 و1956 أيضًا بنفس نسبة المتساقطات المتدنية، فظنّ البعض أنّ العام الماضي هو بداية "دفعة" جديدة متتالية من أعوام الجفاف.
أتت "ميشا" ومن بعدها صديقتها "نانسي" لتدحضا ما قاله البعض بالعام الماضي عن دخول لبنان مرحلة التصحر والجفاف، إذ إنّ "كرم" العاصفتين حل على لبنان من جنوبه الى شماله، وجعل نسبة المتساقطات حتى الساعة أعلى من المعدل العام بكثير.
اذا ما استمعنا الى اصحاب الاختصاص، سنجد أنّ كلمة "تصحر" غير مستوفية شروط التحقق في لبنان، فالبلد الذي فيه سلسلة جبال شرقية وأخرى غربية، ويقع على ضفاف البحر الابيض المتوسط، لا يمكن منطقيًا وعلميًا أن يُصاب بالتصحّر، والكلام هنا لرئيس دائرة التوقعات العامة في مصلحة الارصاد الجوية اللبنانية عبد الرحمن الزواوي، الذي يسأل عبر "النشرة": "أين التصحر الذي تكلموا عنه العام الماضي ونظروا له؟ وكيف يتحدثون عن جفاف بسبب التلوث وكمية السيارات بالوقت الذي شهد لبنان قلة امطار كبيرة عام 1958؟"
ويضيف زواوي: "قلنا مرارا أنه لا يمكن التنبؤ بمصير فصل الشتاء قبل انتهائه، فهذا أمرٌ بيد الله وحده، إلا أننا يمكننا أن نطرح الموضوع على طاولة البحث وحسب المنطق العلمي الذي يشير الى فصل شتاء كريم هذا العام". ويقول: "في العام الماضي كانت المنخفضات الجوية تسلك طريقا طويلة قبل ان تصل الى لبنان، إلا أنّ الوضع عاد هذا العام إلى ما كان عليه بحيث تأتي المنخفضات الجوية الينا عبر اوروبا الشرقية بطريق قصير مما يعني ان المنخفضات الجوية تزور لبنان بكامل نشاطها".
شهد لبنان حتى هذا اليوم نسبة متساقطات بلغت 292.2 ملم في مطار بيروت بينما المعدل التراكمي هو 146 ملم، بينما في طرابلس أصبحت النسبة 301 ملم مقابل 156 كمعدل تراكمي، وأخيرا بلغت في زحلة 182.7 بينما المعدل التراكمي هو 87 ملم. هذه النسب تُظهر كمية الامطار الكبيرة التي تساقطت على لبنان، وكذلك يجب الاشارة إلى أنّ شهر تشرين الثاني شهد انخفاض درجة الحرارة عن المعدل الوسطي، بحيث وصلت الى اقل من 19 درجة في بيروت بينما المعدل الوسطي هو 20 درجة.
أما بالنسبة للثلوج، فهي نادرًا ما تتساقط ما دون ارتفاع 1300 متر خلال شهر تشرين الثاني، وهي هذا العام تساقطت على هذا الارتفاع بالشمال، وهذا أمرٌ مبشر بحسب زواوي الذي يوضح أنّ المنخفض الجوي الحالي "نانسي" بدأ يخف تدريجياً وسينحسر بدءًا من صباح الغد، إلا أنّ درجات الحرارة ستبقى منخفضة، مشيرًا إلى أنّ الطقس سيكون جيدا خلال نهاية الاسبوع وبداية الاسبوع المقبل.
تعيش دول أميركا اللاتينية كل فترة عامًا مطريًا "صعبًا" تأثرا بظاهرة "ELNINO"، التي هي انتقال للمياه الدافئة بالمحيط الهادئ من الغرب نحو الشرق اي من قرب استراليا الى اميركا الجنوبية، كل 5 او 7 سنوات، والصدفة شاءت ان تحدث هذه الظاهرة هذا العام، ولبنان تاريخيًا يشهد شتاءً "جيّدًا" لدى حدوث هذه الظاهرة. من هنا فإن نسبة المتساقطات في لبنان قد تصل الى ما فوق الالف ملم بحسب زواوي.
تقرير محمد علوش