في وقتٍ بدأ فيه وزير الخارجية السورية وليد المعلم محادثاته الرسمية في روسيا، كشف دبلوماسي شرقي متابع للازمة السورية وما يتصل بها من تداعيات على لبنان والمنطقة عن بعض الأسباب الاستراتيجية التي دفعت بالخارجيتين الروسية والسورية إلى عقد لقاءات سريعة في ظل الاوراق الجديدة التي اكتسبها النظام منذ اعلان التحالف الغربي الحرب على "داعش"، والفشل الذي رافقها منذ انطلاقتها وأدّى بالنهاية إلى استقالة وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل من منصبه لأسبابٍ ظاهرها "داعشي" وجوهرها متعلق بكيفية تعاطي الرئيس الأميركي باراك اوباما وحزبه الجمهوري مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد.
ويؤكد الدبلوماسي أنّ اتصالات سريعة أجرتها الخارجية الروسية بحلفائها ومن ضمنهم إيران سبقت تحديد الموعد مع المعلم، وتمحورت بمعظمها حول نتائج الضغوط التي تمارسها واشنطن على موسكو، وأبرزها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتي أدّت إلى خسارة الاقتصاد الروسي مليارات الدولارات من خلال خفض سعر النفط وما تبعه من حظر أوروبي على السلاح والغاز، إضافة إلى الضغط على الملف النووي الايراني الذي يزعج موسكو ويهدد الانجازات السياسية والاستراتيجية التي حققها حكم الرئيس فلاديمير بوتين، أكان على صعيد الانتشار في المياه الدافئة أو على مستوى الاستئثار في المناطق الاوكرانية التي تحتوي على ثروات طبيعية ومفتوحة على البحر، ما يعني أنّ روسيا ورئيسها بوتين باتا يحتاجان إلى المزيد من الاوراق لتوظيفها في الحرب الباردة المشتعلة على أكثر من جبهة خارجية.
ومن أبرز الاوراق السورية الممكن استخدامها في الحرب الاقليمية الباردة هو نجاح الجيش السوري في تحقيق أمر واقع ميداني على أكثر من جبهة أبرزها حلب التي تشكل نقطة الثقل التركية القطرية السعودية المتبقية، ما يعني أنّ سقوطها بيد النظام يفرض أمرًا واقعًا للمفاوضات التي ستبدأها موسكو مع الصين لانشاء جبهة اقتصادية جديدة، تضمّ المارد الاقتصادي إلى جانب طهران الغنية بالموارد الطبيعية لمواجهة الحصار الاقتصادي والعقوبات عليهما، أي إيران وروسيا، إضافة إلى ورقة الضغط على حلفاء واشنطن، أي تركيا وسائر دول الخليج لتغيير الواقعين السياسي والاقتصادي.
ويبدو أنّ سوريا ستكون المستفيدة الثانية من خلال الحصول على دعم عسكري إضافي لا سيما في هذه المرحلة، حيث يسعى النظام بكلّ ما أوتي من قوة إلى حسم معركتي حلب والغوطة لمصلحته، تمهيداً لاجراء مصالحات سياسية تصبّ في خانة مشروع الحلّ السياسي الروسي الذي يعتمد بحسب الدبلوماسي على حكومة جديدة تضمّ معارضة الداخل دون الخارج، شرط الابقاء على الحقائب الأمنية والمالية بيد النظام في موازاة تخصيص مساحة وافية للشركات الصينية لاستثمار مرحلة إعادة الاعمار التي بدأت على مشارف العاصمة دمشق، ومن ثم حسم معركة القلمون والابقاء على الحرب في الرقة وتركها ورقة ابتزاز بيد النظام وروسيا على حد سواء، بيد أنّ الاعلان الأميركي عن فشل الحرب على "داعش" يعني أنّ المرحلة المقبلة ستكون حتمًا لمصلحة الحرب البرية لاعادة رسم حدود الدولة الاسلامية بعيدًا إلى حدّ ما عن الحدود التركية، لاسيما بعد أن بدأت حكومة أنقرة تشعر بوطأة الموقف على حدودها بعد سقوط مشروع المنطقة العازلة تحت الضغط الايراني الممارس في اليمن والذي تحول الى مادة مقايضة مع المملكة، ومن خلالها العراق وعبرها تركيا، بحيث أصبح المشهد متداخلا للغاية بما يصعب معه الحسم السياسي أو العسكري من دون موافقة روسية إيرانية سورية مشتركة.
ما يعزز هذا الاعتقاد، المشهد العسكري في حلب حيث يعتمد الجيش السوري استراتيجية جديدة تبدو أقرب الى الاستراتيجيتين العسكرية الايرانية والروسية، بحيث يتم الحشد على جبهة وتحريك الاخرى فيما يكون الهجوم الحاسم من الجهتين الثالثة والرابعة في ظل ممارسة سياسات الارض المحروقة وهذا ما يميز المدرسة الروسية في قيادة المعارك، ويؤسس الى الاعتقاد بأنّ اللقاء السوري الروسي سيعزز فرص الحسم ويسرّع الحل السياسي عبر حمل العصا الغليظة للدخول الى قاعة المفاوضات.