أتى الاعلان عن استقالة وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل بداية الأسبوع الحالي بشكل سلس وسريع، وتبعه الاعلان عن قبول الرئيس الاميركي باراك أوباما هذه الاستقالة بصورة أسرع. واللافت أنّ الحديث عن المرشحين لخلافة هايغل انطلق بعد دقائق فقط على خبر إعلان قبول الاستقالة، أي أنه بين الاستقالة وتسريب أسماء المرشحين المحتملين مضت فترة قصيرة جداً.
هذا الأمر أثار تساؤلاتٍ مشروعة في أروقة أميركية وعالمية، فوزير الدفاع المستقيل كان أحد القريبين شخصياً من الرئيس أوباما منذ أيام زمالتهما في مجلس الشيوخ، والولايات المتحدة تعيش حالياً مرحلة صعبة على الصعيد العسكري إن في الحرب التي أعلنتها على تنظيم "داعش" الارهابي أو في مواجهة الخطر العسكري الروسي والصيني...
ويرى البعض أنّ من الأسباب التي دفعت بأوباما إلى "التضحية" بصديقه، ما يتعلق بالاحراج الذي تعرض إليه بعد الخسارة المدوية في انتخابات نصف الولاية أمام الجمهوريين الذين عادوا بقوة الى السلطة. كما أنّ عدم تأثر "داعش" بالحرب التي شنّت عليه، واستمرار الستاتيكو القائم في سوريا دون أيّ تغيير يُذكر، والمفاوضات المباشرة مع إيران حول ملفها النووي، دفعت بالكثيرين إلى التشكيك باستراتيجية الادارة الاميركية حول إدارة الحروب وبالفريق الامني المحيط بالرئيس. هذا الأمر ذهب إلى حدّ "التضحية" بشخصية نافذة، فسار هايغل على خطى سلفيه روبرت غيتس وليون بانيتا (توليا منصب وزير الدفاع في عهد أوباما). ومن الأسباب المعلنة ايضاً أنّ هايغل لم يتمكن من الدفاع عن خطة الرئيس الاميركي القاضية بتخفيض ميزانية البنتاغون خصوصاً وأنّ الظروف لم تسمح له بذلك، كما أنه لم يكن مقتنعًا بهذه الخطوة، إضافة إلى امتلاكه وجهة نظر مختلفة حول مقاربة بعض الأمور في منطقة الشرق الاوسط والخليج.
إلا أنّ البعض الآخر يرى أسباباً غير معلنة أدّت إلى خروج هايغل من صورة صنع القرارات، ومنها على سبيل المثال عدم اصطلاح العلاقة بينه والفريق الأمني المحيط بالرئيس ومنهم مستشارة الامن القومي سوزان رايس.
ولكن، ما لم يقل ايضاً في هذا السياق، كان ما يتردد من أنّ الكلام الذي صدر عن هايغل منذ نحو اسبوعين باعترافه بتراجع التفوق التكنولوجي الأميركي أثّر بشكل كبير على قرار إقالته. ولم يكن من المناسب للولايات المتحدة الاعتراف على لسان وزير دفاعها بأن قوى منظمات ومجموعات باتت تشكل خطراً حقيقياً على التفوق العسكري الأميركي في مجال التكنولوجيا، وقد ذكر تحديداً "حزب الله" في هذا السياق. ومن شأن هذا الاعتراف العلني على لسان وزير دفاع أميركا أن يثير موجة من القلق والاضطراب في صفوف الاميركيين، فكيف لمنظمة او مجموعة (وليس دولة) أن تتقدّم على الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا العسكرية، مع كلّ ما يعنيه ذلك من تقويض لصورة أميركا كزعيمة عسكرية على العالم؟ وهل باتت أميركا تجد إحراجاً في مواجهة منظمات وجيوش غير رسمية؟ وكيف ستواجه بالتالي جيوشاً رسمية تتمتع بميزانيات ضخمة وبقدرات لامتناهية على غرار الجيشين الروسي والصيني؟
لم يكن "حزب الله" بالطبع سبب إقالة هايغل من منصبه، ولكنّ تراكم القضايا والتطورات المتسارعة في العالم، حتّمت إجراء هذا التغيير، والذي طال نقطة ضعف الرئيس الأميركي ضمن حلقته الأمنية. ويبدو أنّ أوباما رضخ للضغوط التي تعرّض إليها من قبل اللوبي الأمني الخاص به الذي لم يرق له وجود شخص قريب من الرئيس على الصعيدين المهني والشخصي، لأنه سوف يهدّد كلّ قرار ينصح به أو يهيئ الرئيس الاميركي على اتخاذه.
كلّ هذه العوامل اجتمعت وأدّت إلى إخراج هايغل من البنتاغون، ومن المؤكد أنّ من سيخلفه لن يتمتع بميزة العلاقة القوية بالرئيس الاميركي، وسيكون نفوذه داخل الفريق الامني محدوداً وقد يكون الحلقة الأضعف فيه، وهو أمرٌ يناسب جداً الفريق ككل الذي سيكون أكثر راحة في التعاطي مع الامور ومع الرئيس.
هل أخطأ هايغل أم أوباما؟ لا يمكن لأحد الاجابة على هذا السؤال، إنما الثابت أنّ منصب وزير الدفاع في عهد باراك أوباما بات أقرب إلى الوجاهة منه إلى القرارات العمليّة، وما تغيير ثلاثة وزراء دفاع في عهد رئيس واحد سوى خير دليل على ذلك.