بالرغم من المحاولات الجادة التي يقوم بها أكثر من فريق للايحاء بأنّ معركة الرئاسة فُتِحت جديًا وأنّ عملية الانتخاب باتت قريبة، وبأنّ قانون الانتخابات الموضوع على طاولة اللجنة المنبثقة عن مجلس النواب سلك طريقه الصحيحة للمناقشة والاقرار بعد الشروع بالحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، يؤكد زوار الرابية أنّ المعطيات الراهنة تشير إلى عكس ذلك، وأنّ الهمروجة الاعلامية المرافقة لهذه الاجواء لا تقع في مكانها الصحيح خصوصًا أنّ حلحلة الملفات العالقة تبدأ من الحوار الشامل، وبالتالي فإنّ الحوار الشامل يبدأ من تقارب إقليمي يشكل امتدادًا للحوار الايراني السعودي الاميركي المستمر في سلطنة عمان على وتيرة تراوح بين حدي التسريع والعرقلة استنادًا إلى متطلبات المرحلة، مع الاشارة إلى أنّ الحوار المذكور يتأثر بقرار دولي يحتاج إلى المزيد من البلورة في ظل ظروف دولية متغيرة لا تأخذ بالاعتبار عامل الوقت بل الوصول الى تنفيذ الاجندة المتعلقة بلعبة التوازنات الناشئة عن الحرب الباردة.
هذا لا يعني بحسب المصدر أنّ الحوار لن يبدأ وأنّ الانتخابات لن تحصل عاجلا ام آجلا، وأنّ قانون الانتخابات سيعود الى الثلاجة مجددا، بل إنّ الامور محكومة بالخارج وبالقرارات الاستراتيجية، بحيث يرافق كل تقدم من هنا تراجع من هناك، خصوصًا أنّ الظروف الداخلية ما زالت تحول دون الوصول إلى نتائج ملموسة لاسيما أنّ المواضيع الخلافية تتقدم بأشواط على تلك المتوافق عليها. بيد أنّ ما طرحه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كمدخل للحوار لا يتوافق على الاطلاق مع تطلعات "حزب الله"، فالأول يريد حصر الحوار بملفي الانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات دون مقاربة الخلافات الاستراتيجية على غرار الموقف من الأزمة السورية والحرب المعلنة على الارهاب والمحكمة الدولية وما يتصل بها من مناكفات ومواد قابلة للاشتعال في أيّ لحظة، فيما يعتبر الثاني أنّ الازمة اللبنانية سلة متكاملة ناشئة عن تداعيات وتحوّلات الصراع السني الشيعي الممتد من العراق إلى لبنان مرورًا بسوريا.
في هذا السياق، يعتبر المصدر أنّ الترويج لتوافق أميركي-إيراني على شخصية الرئيس العتيد لا يقع في مكانه الصحيح، خصوصًا أنّ المؤشرات العامة لا تبشر بالخير في ظل النجاح الاميركي في تسجيل نقاط حاسمة تجاه العديد من حلفائها وخصومها في المنطقة على حد سواء، ما يعني أنها باتت بغنى عن تقديم أيّ تنازل لمصلحة أيّ كان إلا إذا كانت واشنطن ترغب في إعطاء دور أكثر فاعلية وحسما لصالح "حزب الله" لقاء انخراطه في حرب برية ضد الارهاب وضدّ "داعش" بشكل خاص ما سيعزز التوتّر السني الشيعي على ساحات خليجية ثانية.
إلا أنّ هذا لا يمنع بأن تكون اللحظة السياسية المناسبة قد اقتربت، ما دفع بالقوى الاقليمية وعلى رأسها إيران لتحريك الملف اللبناني لاسيما أنها تحتاج بشكل أو بآخر إلى حركة ما لتسويق ما اتفقت عليه مع واشنطن والدول الغربية بخصوص الملف النووي في الاجتماع الاخير، ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول حقيقة موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يشكل الوجه الاخر للموقف السعودي خصوصا والخليجي عموما ما يعني أنّ الامور كلها اصبحت مرهونة بالتحولات الاقليمية وتداعياتها بعد أن تحولت المرحلة الراهنة الى حرب سياسية لتحديد الاحجام والاوزان.
في هذا الوقت، يبدو أنّ قانون الانتخابات يسير على سكة موازية للانتخابات الرئاسية بحيث تبقى العراقيل واحدة في ظل تضارب المصالح الاستراتيجية والتكتيكية، وهذا ما يؤسّس إلى جولة جديدة من توزيع الادوار تراوح بين موافقة هذا الفريق واعتراض الاخر، وان كانا من ضمن البيت الواحد ما سيدفع بالامور الى دوامة جديدة بانتظار تطورات اقليمية وقرارات دولية تفسح في المجال امام حلحلة تصل بنهايتها الى تسوية تتماهى مع المسارين الاقليمي والدولي.