لا تقتصر معاناة الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية على اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي واقتحامها لأقسام السجون، وفصول معاناة التحقيق التي يتعرضون لها فحسب، فهنالك وجه آخر من المعاناة المضاعفة يبرز في فصل الشتاء، جراء وضعهم في سجون تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية في مناطق صحراوية شديدة البرودة جنوب إسرائيل، في ظلّ سوء الأحوال الجوية والمنخفضات الجوية والرياح العاصفة والبرد القارس، إضافة إلى انعدام التدفئة ومستلزمات الشتاء الأساسية، ومنع إدخال الألبسة والأغطية الشتوية لهم سواء مع أهاليهم أو عبر المؤسسات الإنسانية.
ووفقاً للتقارير الإحصائية، فإن ما يقارب سبعة آلاف أسير وأسيرة فلسطينية موجودون داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وموزّعون على 17 سجنا، في جنوب إسرائيل، وخصوصًا في صحراء النقب، كسجن ريمون ونفخة وعسقلان وغيرها، في وقت فرضت قوات الاحتلال سلسلة من العقوبات على الأسرى بعد عدوانها الأخير على قطاع غزة، من ضمنها حرمان أهاليهم من زيارتهم ومنع إدخال أي ملابس لهم.
برد قارس وأمراض مزمنة
وفي هذا السياق، يوضح منسق عام الحركة الشعبية لنصرة الأسرى وعضو لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية نشأت الوحيدي أنّ الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي يتعرضون للموت الحقيقي بفعل البارد القارس في فصل الشتاء، خصوصاً أنّ هنالك سجونًا إسرائيلية في مناطق صحراوية كصحراء النقب.
ويلفت الوحيدي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هذه السجون تتعرّض أيضًا لسيول من المياه والأمطار الشديدة، والتي تتكوّن أصلاً من خيم لا تقي برد الشتاء ولا العواصف وغيرها من تحولات الطقس، ما يعرّض الأسرى للإصابة بالأمراض المزمنة والخطيرة نتيجة البرد القارس وعدم توفر الأغطية والمستلزمات الشتوية للأسرى كالبطانيات والحرامات وأدوات التدفئة.
وإلى جانب ذلك، ينبّه الوحيدي إلى أنّ الأسرى يتعرضون للإهمال الطبي المتعمد من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية، والاقتحامات المتكررة لعدد من السجون وأقسامها الأمر الذي ينتج عنه اعتداءات وإصابات يتمّ نقلها إلى المشفى.
درجة الحرارة تصل للصفر..
"في فصل الشتاء، تزداد معاناة الأسير وتقترب درجة الحرارة من الصفر"، هذا ما يؤكد عليه الأسير المحرر أحمد الفليت الذي عاش مرارة الأسر ومعاناة فصل الشتاء بالذات.
الفليت، الذي قضى في سجون الاحتلال 20 عاماً، وأفرجت عنه إسرائيل ضمن صفقة "شاليط"، يكشف في حديث لـ"النشرة" أنّ الأسرى يحتاجون إلى غطاء كافٍ على الأقل في فصل الشتاء وهو فعلياً غير موجود، موضحًا أنّ إدارة السجون لا تقدم الحد الأدنى من متطلبات الأسرى الأساسية، ما يُبقي الأسرى في فصل الشتاء بدون غطاء وملابس شتوية، إضافة إلى انعدام التدفئة المركزية داخل السجون.
ويؤكد الفليت أن فصل الشتاء هو بمثابة معاناة للأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، التي تفتقد البناء المركزي كسجن النقب وريمون وعسقلان وغيرها وهي في مناطق شديدة البرودة، لافتاً إلى أن الأسرى يوضعون في "كرفانات" و "خيم" وفي ظل المنخفضات الجوية تتطاير بعضها وتجتاح مياه الأمطار هذه الكرفانات والخيم، لافتاً إلى أنّ بعض السجون أخليت في كثير من المرات لعدة أسابيع بفعل ذلك.
وعن أدق تفاصيل المعاناة يقول الأسير المحرر الفليت: "في المنخفضات درجة الحرارة تقترب من الصفر وتصل إلى الصفر أحياناً، لدرجة إننا كنا نبقي صنبورة المياه مفتوحة كي لا تتجمد المياه داخل المواسير، إضافة إلى أنّ الثلوج كانت تتراكم حتى بعد انتهاء المنخفض لأسبوع أو عشرة أيام".
وبحسب الأسير المحرر، فإن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تمنع الأسرى الفلسطينيين من اقتناء أي أجهزة تدفئة، وإن سمحت للأسير بشراء حرام، فهو خفيف ولا يغطي حاجته في فصل الشتاء.
الاحتلال يتحمل المسؤولية
أما مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى عبد الناصر فروانة، فيشدد على أن الاحتلال هو من يتحمل المسؤولية الكاملة عن توفير احتياجات الأسرى الأساسية في فصل الشتاء، وفي مقدمتها الملابس الشتوية والأغطية اللازمة.
وفي حديث إلى "النشرة"، يرى فروانة أنه من الخطأ الفادح الإصرار على مطالبة إدارة السجون الإسرائيلية بالسماح بإدخال الملابس الشتوية والأغطية الضرورية للأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، عبر زيارات عوائل الأسرى، أو عن طرق السلطة الوطنية، دون البحث في علاج المشكلة من جذورها، وايجاد حل لها عبر الضغط على سلطات الاحتلال للقيام بواجباتها، والإيفاء بالتزاماتها تجاه من تحتجزهم في سجونها ومعتقلاتها.
ويشدّد فروانة، وهو أسير محرر أيضاً، على أنه من الضروري توفير ملبس مناسب ومسكن ملائم للأسرى، كما تنصّ على ذلك كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية والتي ألزمت الدولة الحاجزة وبغض النظر عن طبيعة علاقاتها بهم، أن تحتجزهم في أماكن مناسبة ومؤهلة، وأن توفر لهم كل ما من شأنه أن يقيهم من خطر الموت أو الاصابة بالأمراض.
أخيراً، تبقى معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي في الواجهة، في ظل منع المؤسسات الحقوقية والإنسانية من الدخول لهم والاطلاع على أحوالهم ومعاناتهم التي تتفاقم يوماً بعد آخر، إلى جانب عمليات الاعتقال والمداهمة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية المختلفة، ما يعني أن المعاناة كبيرة، ومراحل الاعتقال والأسر أكبر.