هل هو القرار السياسي المنقوص أم الادارة الناقصة للحرب على الارهاب التي توقع هذا الكم الكبير من عناصر الجيش اللبناني بين شهيدٍ وجريح؟ ولماذا تمكن الجيش اللبناني من حسم معارك طرابلس وقبلها عبرا بسرعة قياسية ويعجز عن حسم معركة عرسال بالرغم من خطورة تداعياتها على الملف الامني اللبناني برمته؟ وهل يكفي ملف العسكريين المخطوفين لتحويل المعركة التي يخوضها الارهابيون ضد الجيش اللبناني إلى حرب استنزاف مؤلمة يدفع ثمنها الجيش غاليًا من دماء شهدائه وأرواحهم؟
جملة من الاسئلة ردّ عليها سياسي مخضرم، فاختصر الموقف بالقرار الدولي القاضي بمنع الحسم من جهة وعدم الدفع باتجاه الانفجار الشامل، مشيراً إلى أنّ القرار السياسي متقلب لا يأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية العُليا، إنما الحسابات الاقليمية والدولية الكثيرة التعقيد، لافتًا إلى أنّ الايام والممارسات أثبتت أنّ "جبهة النصرة" و"الدولة الاسلامية" لا ترغبان في المفاوضات الجدية لاطلاق العسكريين طالما أنّ هذا الملف ما زال خاضعًا للمساومة، فضلا عن كونه سيفًا مسلطًا باستمرار على رقبة الحكومة من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة ثانية، إضافة إلى كونه مادة دسمة في ايدي القطريين والاتراك على حد سواء، ناهيك عن تداخله مع الوضع السوري وهذا ما يمنع من الاستفادة من أوراق القوة الموجودة في يد الحكومة من في لعبةٍ كثيرة التعقيد تحتاج إلى تكامل بين مكوّنات الحكومة والشارع في آنٍ واحد.
ويعتبر السياسي أنّ موضوع الغطاء السياسي الكامل يرتبط بشكل مباشر بحسابات الشارع المستندة بدورها إلى ارتباطاتٍ خارجية غير مألوفة في ظلّ صراع أكبر من قدرة لبنان على احتماله. فصحيح أنّ الأداء السياسي العام غيرُ كافٍ لخوض معركةٍ شرسةٍ ضد الارهاب، ولكنّ الصحيح أيضًا أنّ عدم اتخاذ القرار يشكّل العقدة بدليل التباطؤ في تسليح الجيش اللبناني ورفض المساعدات السريعة الضرورية وترك الامور في سياق السجال والسجال المضاد، خصوصًا أنّ الإرهابيين ينتهجون سياسة حرب العصابات التي غالبًا ما تشكل مقتلا لدى الجيوش النظامية في حال تحولت إلى حرب جبهات واستنزاف، وهذا ما هو حاصلٌ اليوم، حيث يعمد المسلحون الى استغلال الواقع الميداني وعدم قيام الوحدات العسكرية باقامة حقول ألغام تحول دون عمليات التسلل وزرع العبوات ونصب الكمائن.
وفي هذا السياق، يتوقف السياسي عند التوقيت الذي يعتمده الارهابيون لتنفيذ هجماتهم وهو عادة ما يتزامن مع نجاح المخابرات في الحصول على صيد ثمين ما يعني بأنّ لديهم بنك أهداف يعتمد على غزارة المعلومات التي عادة ما تأتي من خلال الخلايا المزروعة في مخيمات النازحين والمتسللين عبر الخطوط الخلفية في موازاة معرفتهم للأرض ودراستها ما يشكل عائقًا أمام حركة الجيش المحكومة بمبدأ الرد وليس المبادرة إلى قصف التجمعات وتشتيت القوى وضعضعة الصفوف عبر عمليات يومية تشمل ضرب الخلايا أينما وُجِدت، وهذا يحتاج إلى غطاءٍ سياسي فعلي وليس مجرد مواقف ملتبسة يكرّسها صمتٌ مطبق بعد نجاح كلّ عملية ينفذها الارهابيون في ظل اتساع جغرافية الميدان القائمة على حرب التلال التي تحتاج الى كثافة نيران وخبرات وتقنيات متقدمة.
ويدفع هذا التوازن المرعب، بحسب وصف السياسي، إلى التأكيد على ضرورة استعادة الجيش للمبادرة وليس فقط الرد من خلال عمليات نوعية تحد من حرية حركة المسلحين، خصوصًا أنّ الحصار المضروب حولهم لا يبدو كافيًا طالما أنّ قدرتهم على الصمود والاستمرار بهذا العزم ما زالت على حالها ما يطرح علامات استفهام حول كل النقاط العالقة والحائل دون معالجتها.