لقد أولى الاسلام اهتماماً كبيراً وبالغاً لكل ما من شأنه أن يحافظ على سلامة الحياة الانسانية واستقرارها، وكل ما من شأنه أن يحمي كرامة الانسان ويصون مقومات وجوده وأمنه ورخائه، لذلك نراه يركز توجيهاته لأتباعه بضرورة العناية بها، بل إننا نستطيع أن نؤكد أنّ كلّ التشريعات والقوانين التي سنّها الاسلام وحدّد حدودها هي لحفظ وجود الانسان ولحفظ أمنه، ولقد ذكر ذلك مرات متعددة في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وحذر من أن التعدي على العقل أو الروح أو العرض أو الفكر أو الملكية هو من الكبائر والعظائم والتي تهدد مرتكبها بالعقاب الشديد في الدنيا وفي الآخرة.
والضرب بيد من حديد على يد أي فرد أو جماعة أو مجموعة مهما كانت عددها وحجمها ومهما كانت آراؤها وادعاءاتها ان هي عملت على خرق السلم الانساني والأمن البشري في تجاوز هذه الحقوق واشاعة الاضطراب والقلق والخوف في المجتمع لذلك قال الله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ" (سورة الأنفال، الآية 60).
فكلمة ترهبون هنا والتي مصدرها – رهب – تعني: خاف، واسترهبه: خوفه، والمقصود هنا هو ايجاد القوة المانعة التي تنتج خوفاً عند كل من اراد الاعتداء على أمن الناس وهذا ليس في ذاته هو مقصود الاسلام، بل وجهة نظر الاسلام كفالة السلام بإيجاد قوة رادعة وايجاد حالة من الخوف والرهبة لدى اعداء البشرية أو لدى المتطرفين الذين ضاق افقهم وجف فكرهم فلم يتمكنوا من استيعاب الآخرين. فيسمحون لأنفسهم بتجاوز الحدود العامة وينصبون أنفسهم بتجاوز الحدود العامة وينصبون انفسهم حكماً على الناس فيعتدون على مقدراتهم وأمنهم ويعبثون في الارض فساداً وخراباً تحت حجج واهية وذرائع باطلة.
قال الله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (سورة المائدة، الآية 33).
ولقد حدد العلماء من هم المحاربون لله ولرسوله فقالوا: إن المحارب المقصود في هذه الآية هو كل إنسان خرج في الطريق العام واشهر سلاحاً مخيفاً للناس معرضاً أمنهم وحياتهم للخطر، فإنه محارب قاطع طريق تجري عليه احكام المحاربين.
وإننا نرى ان ما يحدث مؤخراً من تقدم الجماعات المسلحة وعمليات القتل والذبح والاعمال التي تؤدي الى ازهاق أرواح الأبرياء من المسلمين وغيرهم ممن دخلوا بلاد الاسلام أو من هم يعيشون بيننا ومعنا واجراماً نراه عملاً مبتوراً معاقاً ينتج إما عن نفسية وعقلية مريضة لا يستقيم تفكيرها ولا أولوياتها ولا تعي ظروف ومصالح الأمة اليوم، او هي ناتجة عن مؤامرة كبيرة وخطيرة تنفذها ايد عربية واسلامية ولكن بتخطيط وعقلية وتدبير صهيوني استعماري يسعى لفتح فجوة وخرق جدار الأمن العربي والاسلامي ليسهل عليه السيطرة على كل المنطقة الهيمنة الماكرة والخبيثة وتحطيم الهيبة والمنعة المعنوية التي تحيط ببعض الدول العربية والاسلامية.
لذلك فإن فرض عقوبات قاسية على الارهابيين قد تكون رادعة لهم عن التعدي على الأبرياء والآمنين.
وإننا اذا عدنا لنستقرىء الأصول الاسلامية لوجدنا ان الاسلام هو اختيار إلهي اسماً ومضمونا، وما كان هذا الاختيار عن عبث أو لغو، بل ليفهم العام ان الاسلام له من اسمه نصيب، بل هو عنوان عليه وعلى كل تشريعاته، فاصل مادته السلام، وربه الذي أنزله اسمه السلام، والجنة التي وعدها بها سماها دار السلام، والتحية التي اختارها لهم تحية السلام ويوم يلقونه تحيتهم فيها سلام، وسميت عواصمهم على مدى التاريخ بدار السلام، كل ذلك لتربية اتباعه على أن دينهم هو دين السلام الحق وانهم ناشروه في العالم وبين الناس قال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: "افشوا السلام بينكم".
فإن تكرار هذا اللفظ على هذا النحو وإعطائه البعد الديني والإيماني من شأنه ان يوجه فكر المسلم ونظره الى اساسية مهمة في دينه والى اصل التشريع وهو السلام مع النفس والسلام مع الغير كائنا من كان هذا الغير ولو كان مقاتلاً في ميدان القتال والحرب قال الله تعالى: "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ (سورة الأنفال، الآية 61). فالحكم الاسلامي ينص على أن العدو المقاتل اذا اجرى كلمة السلام والاسلام على لسانه وجب الكف عنه وعن قتاله، فأي مفهوم للسلام ارقى وابلغ من هذا المفهوم.
ومن أجل أن يكون السلام حقيقياً وواقعياً وثابتاً ومصاناً من تلاعب اصحاب الاهواء والأغراض واصحاب القلوب المريضة والعقول الناقصة والنفوس الشريرة أوجب على أصحاب السلطة وعلى المجتمع كله حماية وصيانة الأمن ولو أدى ذلك الى استعمال القوة، لمنع الجرائم والتعديات، ولمنع الحروب ان لم تكن للدفاع عن الانسان وسلامته، فالاسلام هو ايضا ضد الحروب لمجرد التوسع والسيطرة او لبسط النفوذ السياسي والاقتصادي وضد حروب الانتقام والعدوان وهو ضد حروب التخريب والتدمير والإفساد. إنَّ كل ظاهرة من ظواهر الخروج على الأصول الفكرية الاساسية للأمة اي التي اجمعت عليها مرجعيات الأمة عبر الأجيال والقرون، هي ظواهر سلبية مرضية لفئات تنسب نفسها للاسلام وتتصرف عكس حقيقته وروحانيته وخلاف اصوله وتعتمد الفروع الجزئية بدل الأصول الأساسية فيختل عندها الميزان وتصبح شبيهة بحركة الخوارج الأولى التي كانت ترى في نفسها من الدين والإيمان ما لا تراه في غيرها من المسلمين، بل وصل بها الأمر الى تضليل سائر الأمة واحياناً الى تكفيرها مما أجاز لها استخدام العنف والقتل.
ونرى هذه الظواهر ناتجة عن أسباب كثيرة منها :
1- الخلل القائم بين هذه الجماعات ومجتمعاتها، وعدم وجود توافق وتداخل وقبول عند كل منهما للآخر.
2- تصدر اشخاص غير أكفاء وغير متخصصين لتوجيه هذه الفئات ولتعليمهم الدين وأحكامه.
3- ترك الباب مفتوحاً على غاربه لكل من يريد ان يتكلم باسم الاسلام والدين من وجهة نظره وحسبما يراه هو وعرضه لمفهومه الخاص على الناس على أنه هو الاسلام ورفض ما سوى ذلك.
4- التساهل من قبل المسؤولين في عدم وضع ضوابط لحركة العمل الاسلامي.
5- السماح احياناً نشر ما يسيء إلى الاسلام وإلى قيمه، مما يترك لدى الشباب حالات من ردات الفعل والغضب.
ان ما سبق وذكرناه لا يشكل مشكلة لدى المسلمين فقط، بل ان التطرف والأصولية الارهابية هو داء منتشر في كل المجتمعات اليهودية والمسيحية والبوذية وغيرها من المجتمعات.
ولكننا نخلص في النهاية إلى القول إن الاسلام ومنذ اللحظة الأولى لظهوره في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لا يعرف الاعتداء ولا الظلم ولا الارهاب، بل كان دائماً في موقف الدفاع والحماية لاتباعه بل لسلامة الانسان وان اي تعدي على ذلك يقابل من الاسلام بكل جدية وصرامة وقسوة وان اي تصرف من أي شخص حتى لو كان من المسلمين يخالف هذه الحقائق ويؤدي الى تصرفات خاطئة خالية من الحكمة والعقلانية، فهذه التصرفات تعني أصحابها فقط وهم يتحملون مسؤوليتها ونتاجها ولا تعني الاسلام كدين اختاره الله تعالى ديناً خاتماً للبشرية ولكل الانسانية ولجميع افراد الجنس البشري قاطبة.
لذلك أصبح من الواجب اليوم على جميع الأمة حكاماً ومسؤولين أمنيين وسياسيين واعلاميين ورجال فكر ورجال دين أن تتوحد جهودهم وبكل جدية وحزم لمحاربة فكر التطرف الذي ينتج ارهاباً وعنفاً. واعمالاً اجرامية مرفوضة ومدانة من كل الشرائع والقوانين وخاصة الاسلام.
* المدير العام للأوقاف الإسلامية في لبنان