ماذا يعني أن يستعيد الجيش السوري المبادرة في بعض مناطق درعا التي كانت على وشك السقوط بأيدي المسلحين بعد عودة وزير الخارجية السوري ​وليد المعلم​ من زيارته الرسمية إلى ​روسيا​؟ ولماذا تغيرت اللهجة السورية بالكامل بعد نجاح الجانب السوري في استعادة السيطرة على مفاصل محاور حلب وريف حماه؟ وهل يجوز الاعتبار أنّ التطورات نجحت في إسقاط المناطق العازلة بين تركيا وسوريا من جهة وإسرائيل وسوريا من جهة ثانية، وبالتالي بات من الضوروة ابقاء العين على مناطق شبعا التي تشهد المزيد من موجات النزوح المنظم تحت أعين "حزب الله" المنصرف الى معارك القلمون؟

من الطبيعي التوقف عند الحراك الروسي باتجاه سوريا ولبنان في موازاة المفاوضات الاميركية الايرانية المستمرة خصوصًا أنّ الاجواء الاقليمية توحي وكأنّ هناك تدويرًا للزوايا على صعيد الأزمات المتنقلة في العالم العربي. فليس من باب الصدفة أن يتحرك النظام السوري في الدبلوماسية والميدان على حد سواء، في وقت يرى فيه المراقبون أنّ الحلم التركي بإقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا سقط بفعل التحولات أولا والموقفين الروسي والايراني ثانيًا، كما سقط الهلال الشيعي الممتد من ايران الى لبنان عبر سوريا والعراق قبله، وكما هو مقدر للمنطقة العازلة بين سوريا واسرائيل في ظل كلام صادر عن قيادات اقليمية فاعلة مفاده أنّ الجيش السوري قد ينهي عملياته الاستراتيجية في غضون أقلّ من شهرين، بحيث يتفرّغ بعدها لمعالجة الجيوب الامنية التي لم تعد تشكل خطرًا على العاصمة ولا على النظام بحد ذاته.

في هذا السياق، يكشف دبلوماسي شرقي مطلع على مسار الازمة أنّ زيارة مساعد وزير الخارجية الروسية ​ميخائيل بوغدانوف​ إلى لبنان تأتي في سياق مشروع حل سياسي روسي يحتاج إلى بلورة، يأخذ بالاعتبار موقف الفاتيكان من الوجود المسيحي في الشرق، إضافة إلى عوامل طارئة على غرار بوادر التقارب الايراني الاميركي الذي لم يكن أساساً بعيدًا عن أعين أميركا ولا أجهزتها الخارجية، واستكمالا للاتصالات القائمة بين موسكو ودمشق في الشق المتعلق بلبنان، ودور "حزب الله" المستقبلي في ظل حديثٍ متنامٍ في الكواليس السياسية لا يستبعد تحريك جبهة شبعا لارباك الوضع الجنوبي، والدفع باتجاه عملية خلط أوراق جديدة من المرجح أن تنتهي باعادة صياغة شروط اللعبة الاقليمية، لاسيما بعد التحولات الطارئة على المواقف المستجدة وأبرزها الترحيب البريطاني بانضمام إيران غير المباشر إلى الحرب المعلنة على الارهاب، وإمكانية مشاركة الاخيرة في حملة برية باتجاه العراق ومعاقل "داعش" القريبة من حدودها، في خطوةٍ قد تقلب المشهد رأسًا على عقب بعد عملية خلط الاوراق الجارية على قدم وساق.

وليس بعيدًا عن ذلك، يتوقف الدبلوماسي عند العودة الروسية الى لبنان بالتزامن مع اقتراب موعد بدء الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، خصوصًا أنه يرى في الخطوة امتدادًا لحوار غير مباشر، بين السعودية الساعية الى تبريد الاجواء بعد أن اقتربت "داعش" من حدودها وباتت خارج السيطرة، وايران الراغبة في تمرير الاتفاق النووي بأقلّ أضرار ممكنة، فاعتبر أنّ المرحلة الراهنة هي الأدق بتاريخ أزمة المنطقة في ظل معلومات أكيدة عن نية الارهابيين بتحريك جبهات عرسال والجرود المحيطة بها ونقل المواجهة الى الداخل اللبناني من خلال استغلال ملف العسكريين المخطوفين، والمساومة عليهم لتحقيق مكاسب سياسية ومعنوية وامنية في وقت واحد استعدادا لتحويل الساحة اللبنانية الى بديل عن ضائع، بعد أن نجحت الجهود في فرملة تقدم "داعش" وداعميها ووضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي تمهيدا للخطوة التالية.