سعيد عقل (زحلة – 1912 – 2014)
أنسنوا وطنكم، عولموه وعملقوه!
وقبل أن يبلغ هذا الشعار، تواضع وبدأ بـ "زحلنوا لبنان"، و"لبننوا العالم"!
ونحن نفخر أن نكون عاصرناه!
أنه "المعلّم"، ونحن تلامذته، والعديدون حواريوه!
قليل وصغيرٌ أن نضفي عليه لقب: "علاّمة" كماروني.
لقد مارس، أبدع وتفرّد: علماً، أدباً، شعراً، نثراً، تاريخاً، رياضياتٍ، روايةً، مسرحاً، أناشيدَ، أغانيَ خالداتٍ، نقداً، خطابةً، عولمةَ حرفٍ، تعليماً، تربيةً وبثّاً "للبُشرى السّارة"... ولكل طموح وطني وإنسانيّ.
كم تاق أن يكون مهندساً... ولكنه "هندسَ" أدبه ونتاجه. برأيه الرياضيات والهندسة، كما الشعر: مجموعة معادلات متوازنة، مموسقة، وإلاّ تشوّه البناء وتقصّف البيت الشعريّ وصدره وعجزه والقافية.
أناقةٌ جسدية، وجه صبيح، الكلّه عافية، قلمٌ طريف، رهيف، أنيق، عبقريةٌ خارقة، نبرةٌ طموح نادرة، أجواؤه سمحة، ساطعة، سليمة، سامية، منعشة. تميّز برؤيويته وسعيه إلى المجد، ولا خوف من جهره بذلك. كما تميّز بمنديله الأحمر الذي لا يفارق جَيب سترته ... ثقيفٌ –
طالعَ مكتبة الضابط الفرنسي بكاملها كي لا تبهره – يوم يحلّ في بيروت – مدينة الشعر والإشعاع والشرائع والندوات الثقافية والفنون.
- "غنَّيتُ مكّةَ"، "سائليني يا شآمُ"، و "يا قدسُ"، من كبريات القصائد المغنّاة.
وقد رسمت، ذات يوم لوحاتٍ تعبيرية بمئة طالب أحيوا مشاهدَ حيَّة على "ملاعب الجودة" ومدرّجاتها، من وحي مقاطع من ثالثتها.
- "رندلى" احتلَّ رتبة أوّل ديوان بالعربية يتخصّص بالغزل.
- تقاضيه بدلاتٍ مالية منذ حداثة سنّه ومطلع حياته الأدبية برّرها – ونحن نؤيّده في ذلك: الطبيب يتلمّس جسد المريض ويتقاضى مئة دولار. هل يوازي علمه ما حصّلت، وما زلت، من علومٍ . ومع بلوغه عتيًّا من العمر ما زلت تلميذاً مجتهداً"؟
- وكم سعدت "ثانوية الجودة" وندوتها الثقافية بلقاءٍ شعريّ، وآخر عن الحرف المبتكر اللاتيني.
- وكم شاهدناه يأتي بشلّةٍ من طلاّبه ليُريهم اسم "الجودة" بالعربية والفرنسية ... والفينيقية على مدخلها!
- حضرَ الله في كلّ مآتيه ومآثره وحسن صنيعه، في كلّ حفلٍ وميدان... لعلّه استحقّ أيضاً لقب "قدّيس الشعراء"، والانتصار للوطن، والعدالة، والجمال، والخير والحقّ في كلّ ما كَتب ونظم وألقى ورسم وسطّر.
- الإنجيل ديدنه، والقرآن مرجعه، ولبنان مآبه ولازمته.
- كم غالى في كرمه وعطاءاته! كرّم عشرات الشعراء، وأجزل العطاء!
- كأنه يردّد مع صديقه قبلان مكرزل:
أنـا لستُ ممّن يأخذون أنا أُعطيكِ يا دنيايَ من عندي
- نصيحته: فلنجدّد معارفنا بقراءة روائع العالم ولنتثقّف ونواظب، ونحثّ الطلاب على حضور الندوات الثقافية.
- وكم تساءلَ : أينَ حضور الشباب في ندواتنا؟؟
عظيمُ سعيد بقدر ما طمحَ!
- احصاءاته الرقمية تصدم المثقّفين، ومن بينهم الكبير غسان تويني.
- تلتقط العين 81% من معارفنا، والأذن 11%.
- ترجم "رباعيات الخيّام"، بأيّامٍ ثلاثة.
- إطلالاته، أمسياته، قصائده، أرقامه، جوائزه: عروس كلّ مهرجان!
- مستشار الكبيرَين عاصي ومنصور، صقل شعرهما والمرسح، وأغنى مبادئهما في الفن والحياة!
- كتب الشعر بالفصحى والعامّية والفرنسية واللاتينية وجعل النثر أجمل من كأس خمر.
- كرّمَ كلّ مُستحقّ ورفض- وهو الأجدر بالإستحقاق- أيّ تكريم.
- اختصر بشخصه سمات لبنان: الإباء والعنفوان والأخلاق والتراث والثقافة!
- بالشعر، ننهدُ صوبَ الجمال، صوب الخالق الأسمى بأبهى ما وهبنا إيّاه الخالق: الجمال المُطلق!
- تجدّدَ ولم يتوقّف... صفاؤه تغيّر، لا نشاطه!
- نقل الحضارة والحرف والقيَم والفضائل – "والفضيلةُ وجهُ الله على الأرض" – و "القيَمُ يخلقها أفرادٌ ويعطونها للحضارة"!
- "ويبني أنَّى يشأ لبنانا"! نعم، لقد طمح: "لبننة العالم"!
- نتاجه في كل حقلٍ وميدان: مدرسةٌ كاملةٌ لبناء الإنسان وإعلاء مداميك لبنان!
- انطلق من لبنان أحد عشر عبقرياً يحّتلون المصاف الأولى في علمهم عبر العالم
- هذا اللبنان، سمّاه: "لُبّ أنان" = قلب الله لبنان"!
وإذ أطلق على خليل مطران لقب "عمود بعلبك السابع"، ففيه – ونستعير تعبيره في رثائهٍ – مردّدين: "... جاء ثامنهم فزيدي"
ألا انحنوا يا طلاّب "قدموس"، ويا طلاّب "المعلّم" في وطن الأرز، في شتّى أصقاع الأرض، وبعرفان جميل... وليعلُ نصبٌ لكلٍ منهما في غير مكانٍ وزمان! - وقديماً غسل خليفة المسلمين يدّي معلمهِ. والسيّد المسيح أرجلَ تلاميذه.
فالمعلم: ملكٌ، صولجانه القلم، وحياته بذلٌ وعطاء!
يا أبناء لبنان: خذوا بعضاً من مواقف الإباء المشرّفة ، والعزّة والكرامة.
قال المعلّم:
"أنا لا أحيّي مَن خان وطنه، ويدي لا تصافح يده"
عملقوا وطنكم، يا أبناء لبنان!
أنسنوه!
عولموه!
وتشبّهوا بالمعلّم ناحتًا كلماته، يروح بنا إلى فوق، ويخلق الجديد:
تفاءل، إرمِ النظرْ على المدى التيـّاهْ
مُتّ لا تقل أوّاه تضيقُ أرض البشر؟
غامر بقلب الله