ليس صدفة أنّ تُصبح الإتهامات المُتبادلة بين "حزب الله" وبعض الدول الخليجيّة علنيّة ومتكرّرة، من إتهامات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله للسعودية بالإسم، مروراً بمهاجمة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل "الحزب" من على منبر الأمم المتحدة، وصولاً إلى إتهام وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة "حزب الله" بالوقوف وراء الهجوم الأخير الذي وقع في قرية دمستان جنوب غرب المنامة(1). وليس صدفة أيضاً أن يجتمع وزراء خارجية كل من إيران محمد جواد ظريف، والعراق إبراهيم الجعفري، وسوريا وليد المعلّم، في طهران لتفعيل التنسيق في ما بينهم، ولا أن تتجاوز الدول الخليجيّة خلافاتها الداخلية في إجتماع الدوحة، بحيث إنضمّت قطر إلى نظرائها الخليجيّين في دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليُركّز الجميع على المخاطر "الإرهابيّة" المُشتركة التي يواجهونها، وليشكّلوا قوّة بحريّة مشتركة، وليؤكّدوا "رفض إحتلال إيران للجزر الثلاث: طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التابعة للإمارات".
فصراع التحالفات الإقليميّة والدوليّة على أشدّه، حيث تواصل إيران مدّ نفوذها عبر تمتين التحالف الإستراتيجي القائم مع نظامي الحُكم في كل من العراق وسوريا ومع مجموعات سياسيّة مختلفة في لبنان، في طليعتها "حزب الله". وهي نجحت بالأمس القريب في توسيع سيطرتها داخل اليمن عن طريق حركة "أنصار الله" الدينيّة المُسلّحة المعروفة بإسم "الحوثيّين" نسبة إلى مؤسّسها حسين الحوثي الذي قتلته القوّات اليمنيّة في العام 2004. كما تعمل طهران على تحريك ودعم جماعات مؤيّدة لها داخل الدول الخليجية، وخاصة في البحرين والسعودية، بالتزامن مع جعل هذه الأخيرة تقلق على أمن حدودها من التطوّرات العسكريّة الحاصلة في اليمن، بهدف تحويل إهتماماتها من الأزمتين السورية والعراقيّة إلى الداخل السعودي. في المقابل، تُواصل الرياض مُواجهة الحلف الناشئ بقيادة إيران، والذي تصل إمتداداته وتقاطع مصالحه إلى روسيا، عن طريق تمتين علاقاتها السياسية والعسكرية مع كل من البحرين ودولة الإمارات، وعبر دعم جهات سياسية مختلفة في الكثير من الدول العربيّة، ومنها لبنان بطبيعة الحال، وكذلك عبر دعم الحُكم في مصر في محاولة لإستمالته كقوة عسكرية – سياسية كبيرة إلى جانبها. كما تُنفّذ السعودية والإمارات حملات أمنيّة إستباقية دَوريّة واسعة، للحفاظ على السيطرة الأمنيّة كاملة في أراضيهما.
وعلى خطّ مواز، وإذا كانت روسيا حرصت على الدفاع بقوّة عن قاعدتها العسكريّة البحرية الوحيدة على البحر الأبيض المتوسّط، في ميناء طرطوس، وإتخذت موقفاً صلباً في الدفاع عن النظام السوري حماية لمصالحها، وواصلت إرسال الأسلحة المتطوّرة إلى الجيش السوري، وفي دعم إيران في مفاوضاتها مع الدول الغربيّة بشأن الملف النووي، فإنّ القواعد العسكرية الأميركية والأوروبيّة آخذت بالإزدياد في الدول العربيّة، حيث أعلنت كل من المنامة ولندن في الأيّام القليلة الماضية عن إتفاق لإقامة قاعدة عسكريّة بريطانية في البحرين، في عودة لافتة إلى المنطقة، منذ إخلاء قواعدها السابقة في الشرق الأوسط (باستثناء جزيرة قبرص) في العام 1971. وتضمّ البحرين أصلاً قاعدة للجيش الأميركي يشغلها الأسطول الخامس في البحريّة الأميركية. والتواجد العسكري الأميركي في المنطقة يشمل إنتشاراً كبيراً في كل من الكويت والسعوديّة(2)، وتواجداً مُهمّاً في كل من قطر والأردن وسلطنة عُمان ودولة الإمارات(3) وغيرها من الدول أيضاً. كما رفعت فرنسا في الأسابيع القليلة الماضية عدد طائراتها من طراز "رافال" في قاعدة "الظفرة" في دولة الإمارات، وأرسلت فرقاطة تحمل صواريخ مضادة للطائرات إلى مياه الخليج، ونشرت ست طائرات من طراز "ميراج" في الأردن.
وفي الختام، وعلى الرغم من الحجم الإقليمي-الدولي للصراع المتعدّد الوجوه والمتضارب المصالح في الشرق الأوسط، فإنّ حِلفين كبيرين يتواجهان بشكل مباشر حيناً وغير مباشر حيناً آخر، في ظلّ تداخل وتشابك لبعض القضايا والمشاكل. والمُفارقة اللافتة أنّ "حزب الله" بات يلعب دوراً مركزياً في صراع التحالفات الكبرى، وكأنّه "رأس حربة" في أكثر من مواجهة ونزاع، مع كل ما يحمله هذا الأمر من مدعاة تباهٍ وفخر لمناصريه ومؤيّديه، وكذلك من مخاطر كبيرة عليه وعلى لبنان في حال فشل المشروع الإيراني في المنطقة، وسقوط التحالف بقيادة طهران، ولو بعد حين، كما يُشدّد مُعارضوه.
(1) قُتل في العملية عسكري واحد، تردّد أنّه أردني، ويعمل في البحرين في إطار البعثات الأمنيّة الموفدة إلى البحرين للمساعدة على ضبط الأمن، علماً أنّ "سرايا الأشتر" الشيعيّة هي المنظّمة الوحيدة التي أعلنت مسؤوليّتها عن الحادث.
(2) للجيش الأميركي إنتشار كبير في السعودية، عبر العديد من القواعد أبرزها قاعدة الأمير سلطان الجويّة جنوب الرياض، وكذلك إنتشار كبير في الكويت عبر العديد من القواعد، أبرزها قاعدة "علي السالم" ومعسكر "أريفجان".
(3) الإنتشار العسكري الأميركي في قطر يتركّز في قاعدة "العديد" الجويّة، وفي الأردن يتركّز في قاعدة "الشهيد موفق الجويّة" في الزرقاء، وفي ميناء العقبة، وفي سلطنة عُمان يتوزّع على كل من ميناء قابوس وميناء صلالة ومطار السيب الدولي، وفي دولة الإمارات يتوزّع على قاعدة الظافرة الجويّة في أبو ظبي ومطار الفجيرة الدولي وعلى عدد من الموانئ البحرية.