يوحي الحراك المتدرّج في المنطقة بأنّ شيئًا ما سيحدث وأنّ هناك تحولاً دوليًا لاستثمار التحولات المتسارعة على مستوى الخريطة الجيوسياسية التي تتوضح باضطراد في ظل مواقف وتطورات لا يمكن أن تأتي من الفراغ ولا من العبث، بل استنادًا إلى خطةٍ مبرمجةٍ تأخذ بالاعتبار مصالح الدول الاقليمية التكتيكية وتؤسّس إلى تظهير المشهد الدولي المتحرك باتجاهات عدة أدّت إلى جملةٍ من الايجابيات الدولية على غرار وقف إطلاق النار في أوكرانيا وما تبع هذه الخطوة من قرار روسي باعادة تزويد أوكرانيا بالغاز الروسي بما يسمح لها بإعادة تصديره باتجاه القارة الأوروبية، المفترض أن ترتدّ على الساحة الاقليمية برمتها لا سيما أنّ إعادة تحريك الدبلوماسية السورية بعد ركودٍ دام سنوات على وقع النشاط الدبلوماسي الروسي باتجاه بيروت ودمشق، إضافة إلى زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم الى طهران وما تضمنته من مواقف معلنة وغير معلنة، ناهيك عن الحراك الاوروبي باتجاه لبنان للانطلاق منه الى سوريا وليس انتهاءً بزيارة وفد من معارضة سوريا الداخلية الى موسكو وذلك بالتزامن مع تراجع في هيبة تنظيم "داعش" وخسارته لبعض الاوراق الاستراتيجية في العراق وسوريا، في مشهدٍ يؤكد أنّ الامور تسير وفق ما هو مرسوم لها، أي حصر النيران في أماكنها والابقاء على شرارتها بانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في العالمين العربي والاسلامي.
في هذا السياق، يكشف دبلوماسي شرقي عن سلسلةٍ من الاتصالات غير المُعلَنة تجري في هذه الاثناء في عاصمة بلاده تقودها واشنطن وروسيا وترتكز على تظهير الاتفاقات الفرعية التي حصلت في غضون الاسابيع والاشهر القليلة الماضية، ومنها التوافق بين طهران ومجموعة الخمسة زائدا واحد على الملف النووي، والعمل على تطويرها وترجمتها حلولا سياسية في سوريا تعبّر في شكلها عن فتح قنوات اتصال بين النظام وخصومه السياسيين وفي مضمونها عن تسويات بين الدول الكبرى، وهي قائمة على اتفاقات اقتصادية طويلة الامد تتعلق باقتسام النفط وحصص الغاز فضلا عن الدول التي تعبر من خلالها هذه الثروات التي تشكل عصب الحروب والتفاهمات في وقت واحد.
ويذهب الدبلوماسي بعيدًا إلى حدّ تعداد اللاعبين الأساسيين في المنطقة ودور كل منهم، فيعتبر أنّ مربع روسيا وسوريا وإيران و"حزب الله" نجح إلى حد بعيد في التماهي مع المرحلة، إذ إنّ موسكو أسّست الى تمهيد الاجواء الدولية من خلال ادارتها للحرب الباردة وتشكيل محور اقتصادي دولي عريض عماده الدول الصناعية والمصدرة للاسلحة، فيما تفاوض طهران من أجل الوصول إلى تبديلات جوهرية في الخريطة السياسية في المنطقة من خلال دعمها الحوثيين في اليمن وسيطرتها عليها عبر اذرعتها المتعددة، والعمل على تحصين الجبهة السورية ورفدها بالخبرات التكنولوجية والاستشارية العسكرية، في وقت تلقفت فيه دمشق النجاح السياسي المحقق فعمدت إلى استعادة المبادرة وتحريك جبهات القتال القادرة على تحقيق اختراقات فيها في ممارسة ناجحة للعبة عض الاصابع مع جيرانها الاقربين والابعدين، فحشرت تركيا ودفعتها الى تراجعات محددة من شأنها ان تؤسس الى تفاهمات بعيدة الاهداف مع الحلف الاطلسي التابعة له قوامها اعادة ترتيب الملف الكردي وعدم تحريك الملف العلوي في الاسكندرون ومحيطها الجغرافي وهو محيط قادر على تحقيق طموحات تكركية على مستوى معابر الغاز والنفط ولعمولات المتعلقة بها والناتجة عنها. أما "حزب الله" فقد حقق انتشارًا واسعًا امتدّ على مساحة العالمين العربي والاسلامي عبر البحرين والعراق وسوريا واليمن ونجح في اعادة هيكلة التدريبات العسكرية للجيش السوري فحوله من جيش جبهات الى جيش حرب شوارع في خلال مدة قياسية ما رفع من شأنه على صعيد المفاوضات اولا وعلى مستوى لعب دور اقليمي لا يقتصر على لبنان وسوريا بل يتعداهما الى الخليجين العربي والفارسي بما يحقق سلسلة من الاهداف الاستراتيجية أولها البحث عن حلول سياسية ترضي هذا المحور ولا تخالف مصالحه الاستراتيجية، وثانيها التحول إلى قوة ردع قادرة على مواجهة الدولة الاسلامية من خلال اعتمادها على المربع المحوري المذكور.