يبدو أنّ موسكو في طور تحريك ستاتيكو الحل السياسي في سوريا، ذلك أنّ كلّ المؤشرات تؤكد أنّ مؤتمر موسكو واحد سينعقد خلال الاشهر الاولى من العام المقبل، وهو ما يفسّر تكثيف الدبلوماسية الروسية لاتصالاتها خلال المرحلة الأخيرة، حيث استقبلت والتقت المعارضة في روسيا وتركيا وسوريا، وكان بعض هذه اللقاءات بعيداً عن الاعلام لاسباب متعلقة بجدية المشاورات والسرية حول بعض الشخصيات المعارضة.
المشاورات تقدمت كثيراً واقتربت الافكار المطروحة من التطابق على مسائل الحوار لتبدأ جولة الحوار الاولى في موسكو بين الاطراف السورية وربما من بعدها تستكمل في دمشق، علمًا أنّ السلطات السورية تتعاطى بإيجابية مع الجهود الروسية، وهي طرحت افكارها خلال زيارة وزير الخارجية وليد المعلم إلى موسكو، ومن بعده نائبه فيصل المقداد، في وقت لا يزال البحث حول "الضمانات" مستمرًا.
في دمشق، يبدو الارتياح واضحاً لدى المسؤولين السوريين حول ما يجري من مشاورات مع موسكو لايجاد حل سياسي، وهي مشاورات تدخل في التفاصيل حول شكل الحكومة وصلاحياتها وعدد الوزراء وعدد المشاركين داخلها من المعارضة الداخلية والخارجية، بل إنّ بعض الافكار تتحدث عن ثلاثين وزيرا بينهم عشرة معارضين، على أنّ يتمّ حسم هذا التفصيل خلال الحوار.
وسط ذلك، تحرص السلطات السورية على التركيز على "الضمانات" بوصفها مفتاح الانطلاق بالحوار، والضمانات تشمل وقف تمويل المسلحين وارسالهم عبر الحدود، فماذا لو شارك المعارضون في الحكومة والسلطة ولم يتوقف القتال على الارض أو استمرت الاعمال الارهابية؟ هل يقبل الشعب السوري إدخال معارضين دون تحقيق أيّ نتيجة على الارض؟ ومن سيعطي هذه الضمانات؟ هل هم الروس أم الأميركيون؟
من هنا، تدرك موسكو أن مربط الفرس ومفصل المحادثات بالنسبة لدمشق هو في الضمانات، وهي ترى في المقابل انه من الضروري تعزيز القدرات القتالية للجيش السوري بتسليمه اسلحة متطورة من صواريخ وراجمات وتحديث الاليات وهو ما سيعزز قدرة الجيش السوري على ضرب الارهاب.
على جانب اخر تبدو الخارطة الدولية لدى موسكو واضحة ومفهومة، فاوروبا مرتبكة ولا قرار لديها حيث بدأت تشعر بطرق الارهاب بابها وهي لا تحتمل فكرة وجود خلايا داخل دولها وستصحو فجأة على قرار لعمل ارهابي ما، في وقت لم تحرّك الولايات المتحدة ساكنًا حول الحوار وإن بدت بعض الاشارات الايجابية بارسال اسماء شخصيات تود أن تشارك في الحوار وترك الامور تسير باتجاه اجراء الحوار دون وضع فيتو عليه، اما تركيا فلا زالت ترفع سقفها وترفض الحلول في الظاهر للحفاظ على ماء وجهها وابقاء هيبتها في المنطقة.
ترى دمشق أنّ تركيا لا تزال تشكل عقدة أساسية، ففي السابق حاولت انقرة عبر احد الوسطاء فتح قناة اتصال مع دمشق لايجاد مخرج للحل لكن الخبر سرب في الاعلام التركي فتراجع الاتراك واوقفوا كل شيء، ومن هنا فإنّ السوريين مهتمون بالموقف التركي وما اذا كان الرئيس فلاديمير بوتين قد توصل مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان الى تفاهمات ما حول الحدود ووقف دعم وتدفق المسلحين.
بالنسبة الى الدول العربية فان الامور بدأت تختلف قليلا. السعودية بدأت تشعر بخطر الارهاب يتحرك داخل البلاد وبدت اولوياتها مكافحة الارهاب، كما أنّ أسعار النفط عالمياً في تراجع سريع واحتمال وصوله الى اقل من خمسين دولاراً متوقع، وهو ما سيضعف تمويل الحرب والمقاتلين.
وبالانتقال إلى المعارضة السورية، فهي تدرك أنّ قوتها في تراجع وأنّ السمة الطاغية لديها هي التراجع عن مطالبها، وهي باتت اليوم تخسر مواقعها أمام "النصرة" في ادلب والقنيطرة ودرعا وأمام "داعش" في ريف حلب والمناطق الشرقية ومؤخراً وصل التهديد الى جنوب دمشق، وبالتالي اصبحت المعارضة والفصائل السورية المسلحة امام خيارات صعبة، وإن طالت المدة قد تخسر كل شيء.
في تفاصيل المشاورات، سيدور الحوار في موسكو حول الحكومة والمشاركة فيها مع صلاحيات يقرها الدستور الجديد للبلاد، علمًا أنّ الحوار سيكون مع ممثلين للحكومة السورية وليس مع ممثل الرئاسة كما جرى في مؤتمر جنيف 2. وخلال المشاورات، جست الدبلوماسية الروسية عبر القنوات السورية المقربة منها نبض عدد من المعارضين قبل طرح افكارها، فكان الجواب واضحا ان الجميع يريد الحل. هي تواصلت مع احمد معاذ الخطيب للمجيء إلى موسكو لكنه تريث للرد، ما أوحى أنه يريد التشاور مع الاميركيين، وفي النهاية وافق ومن ثم زار روسيا والتقى المسؤولين والمعارضين، عند هذه النقطة ادرك الجميع ان المؤشرات ايجابية في وقت يبدو جلياً ان المعارضة السورية ليست بحالة جيدة لا سياسيا ولا ميدانيا، فالخلافات قائمة بين المجلس الوطني والحكومة المؤقتة والائتلاف، وايضاً على هامش الخلاف اعلن عن تجمع لمئة فصيل مسلح يعتبر نفسه الممثل الداخلي والميداني للمعارضين، لذلك ادرك الروس ضرورة فتح قنوات مع القادة من الفصائل المسلحة واتى الجواب علنيا عند البعض بامكانية التحالف مع الجيش السوري لمحاربة "داعش" كخطوة تمهيدية يمكن ان يستثمر عليها في الحوار.
في المحصلة، السوريون ذاهبون وحدهم الى الحوار في جلسات عمل وليس لعقد مؤتمرات صحافية وستدخل المسائل في تفاصيل الحكومة والتفاهمات التي لم يجر الحديث عنها، وحتى الآن لا أسماء مطروحة وكلّ ما يُسرّب لا يخرج عن إطار التكهنات والتمنيات بانتظار الوصول إلى الاتفاق، اتفاقٌ يبقى مرتبطًا بتفاصيل الميدان السوري بوصفه الفيصل، وهو الذي عوّد الجميع على المفاجآت، مفاجآت يأمل السوريون أن تحمل معها "الفرج" الذي طال انتظاره.