حذّرت واشنطن الجيش اللبناني من التعاطي مع حزب الله كـ«شريك» في مكافحة الارهاب والتكفيريين، ملمّحة الى إمكان تأثير ذلك على الدعم الأميركي للمؤسسة العسكرية، ومذكّرة بأن «الحزب يعرقل مشروع الدولة التي تحميها المؤسّسة العسكرية»
لم تكن زيارة نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون سياسة الشرق الأوسط ماثيو سبينس للبنان، الأسبوع الماضي، الأولى الى لبنان. في الواقع، كانت هذه الزيارة التي رافقه فيها عدد من الضبّاط الأميركيين الثانية منذ بداية العام الجاري. لم يحظَ سبينس هذه المرة بفرصة لقاء رئيس الجمهورية في بعبدا، لكنّه لم يترك طرفاً سياسياً أو أمنياً إلا قابله، ما دفع بأحد المسؤولين الذين التقاهم الزائر الأميركي إلى وصف هذه الزيارة بأنها «أحد أبرز عناوين الأسبوع الماضي، مع أنها لم تنل الكثير من الترويج».
في العلن، الأخبار التي تحدّثت عن الزيارة أشارت إلى أن الموفد الأميركي أكد أمام كل الذين التقاهم، وفي مقدّمتهم قائد الجيش العماد جان قهوجي، «دعم بلاده للمؤسّسة العسكرية». أما في كواليس اللقاءات، فقد «حذّر الرجل من أن يتصّرف الجيش اللبناني وكأنه في جبهة واحدة مع حزب الله ضد الإرهاب، وينسى أن الحزب يعرقل مشروع الدولة التي تحميها المؤسّسة العسكرية وليس أي طرف آخر مسلّح»، موحياً أكثر من مرّة بأن «نجاح الجيش في معاركه ضد المجموعات المسلّحة في عرسال يعود فضله إلى الولايات المتحدة التي تعرف ما يريده الجيش تحديداً في حربه، عكس الهبات التي تكون أحياناً كمّاً فائضاً بعيداً عن الأنواع المطلوبة».
نحن في حاجة إلى
مساعدات لوجستية لن تؤمنها مليارات السعودية
وهذا يعني أن «المفضّلين» على الجيش يحقّ لهم احتكار القرار السياسي أكثر من أي جهة أخرى. ومع أن سبينس لم يقل ذلك حرفياً، لكن لمسه كان سهلاً في معرض تناوله زيارة قهوجي الأخيرة لواشنطن، وتحديداً لجهة «سير العلاقة بين لبنان والولايات المتحدة مستقبلاً، على اعتبار أن الأول جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب».
كذلك فإن سبينس، بحسب المسؤول نفسه، «بدا أقل اقتناعاً بما ردّدته أمامه شخصيات في 14 آذار عن خضوع قيادة الجيش لتأثير حزب الله، بل على العكس، وصف أداء الجيش بأنه ممتاز وحكيم في ظل الظروف المذهبية التي تواجهه». وأشار الى أن «الحرب على الإرهاب خلقت واقعاً جديداً سمح للدولة بتوسيع نفوذها على حساب نفوذ الحزب، وأدت الى انتشار الجيش في الكثير من المناطق، بعدما تأكّد الحزب أنه غير قادر على إدارة المعركة وحده». ولكن، وفي موقف أقرب الى طرح شرط لتسليح الجيش، حذّر سبينس «من أنه لا يُمكن للجيش اللبناني أن يتعامل مع حزب الله وكأنه شريك له في الحرب ضد التكفيريين، لأن ذلك يضع الطرفين في المركز نفسه ويعطيهما السلطة نفسها». ولفت الى أن «لدى الجيش قدرات غير موجودة لدى الحزب، قدّمتها له الولايات المتحدة، ولا يستطيع الروس أو الإيرانيون توفيرها، مثل صواريخ هيلفاير والأنظمة التكنولوجية الخاصة بالرصد والمراقبة». وأكد أن «ما تستطيع الولايات المتحدة تقديمه لحلفائها لمكافحة الإرهاب لا يستطيع أي طرف آخر تقديمه»، متسائلاً: «ما الذي فعله السلاح الإيراني في العراق؟ لو كان نافعاً لما طالبتنا الحكومة العراقية بإعطائها السلاح»!
المسؤول الأميركي الذي قيل إن مهمته كانت «محصورة باستكمال المتابعة الأميركية لخطّة دعم الجيش والقوات الأمنية لمكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود»، سمع من بعض مضيفيه ترحيباً بدعم الولايات المتحدة للمؤسّسة العسكرية، ومطالبات بـ«زيادة النسبة المخصّصة من ميزانية الفيدرالية الأميركية المالية سنوياً للجيش». ولكن بدا أن لسبينس، بحسب بعض من التقوه، مهمتين إضافيتين: الأولى «شرح الموقف الأميركي من الأحداث في سوريا وتقييم لوضع الرئيس بشار الأسد. وبالتأكيد فإن كلامه لم ينزل برداً وسلاماً على البعض، خصوصاً بعدما لفت إلى أن بلاده لا ترى في ما يحدث في سوريا خطراً يهدّد أمنها القومي، وبالتالي فإن معارضتها للرئيس للأسد لا تعني أنها ستسعى إلى إسقاطه... فليبقَ. لكن لا نريد للنار السورية أن تنتقل إلى لبنان». والثانية «حمل رسالة غير رسمية إلى إدارته تطالبها بالمزيد من المساعدات المالية»! وتتحدث المصادر عن «تعبير أحد المسؤولين اللبنانيين خلال اجتماعه مع الزائر الأميركي عن الامتعاض من ضآلة المساعدة الأميركية للجيش، مقارنة، مثلاً، بحصول الأردن هذا العام على مليار دولار من المساعدات، في مقابل 70 مليوناً للبنان». وقاربت هذه الشخصية «المسألة من زاوية محاربة الإرهاب، مشيرة الى نوعية من التجهيزات والأسلحة موجودة على اللوائح اللبنانية لا يُمكن للمليارات الثلاثة (الهبة السعودية) أن تغطّيها». كذلك تناول المسؤول اللبناني «المشكلة الأساسية التي يعاني منها الجيش، وهي صيانة الأسلحة الأميركية الموجودة في مخازن المؤسّسة العسكرية، لذا فإن الزيادة التي نطالب بها هي لتغطية نفقات هذه الصيانة التي تتولاها عادة الدولة. ولأن لا ميزانية كافية في وزارة الدفاع، فنحن في حاجة إلى مساعدات لوجستية لن تؤمنها مليارات المملكة العربية السعودية».