انضم تيار المستقبل الى قائمة الناقمين على شركة «سوليدير». «المفخرة الحريرية» باتت تثير السخط بسبب ما يصفه ناشطون في التيار بـ»تسلّط رئيس مجلس إدارتها وتعطيله مشاريع يعتبر التيار أن من شأن إنجازها إعادة الحياة الى وسط المدينة الميت».
في ساحة الشهداء تنتصب شجرة ميلاد في «البورة» الجرداء المواجهة لجامع محمد الأمين. لا يُمكن الشجرة الهزيلة أن تنافس على لقب «الأكبر» أو «الأجمل»، كما حال شجرة مدينة جبيل مثلاً، وهي بالكاد تلفت أنظار العابرين في «الداون تاون» الميت الذي تزيده شركة «سوليدير» مواتاً. لم يعد السخط على الشركة ــــ التي أثارت منذ تأسيسها بعد انتهاء الحرب الأهلية جدلاً واسعاً حول قانونيتها وشرعية أعمالها ــــ حكراً على خصوم تيار الرئيس الراحل رفيق الحريري. عدوى النقمة على «سوليدير» ورئيس مجلس إدارتها ناصر الشمّاع، انتقلت منذ نحو عام الى داخل التيار الازرق.
شخصيات وزارية ونيابية وحزبية «مستقبلية» وجدت في هذه المشهدية فرصة للتعبير عن نقمتها العارمة لما آلت اليه حال هذه البقعة البيروتية التي تعتبر «درّة تاج» الحريرية السياسية، ومفخرة «الانجازات الانمائية» للرئيس الراحل. إذ إن الشركة التي غيّرت وجه قلب بيروت الى غير رجعة «لم تكلّف نفسها عناء تأمين زينة تليق بالعاصمة وأهلها، واكتفت برفع شجرة أقل من عادية تدفع البلدية نصف كلفتها»، بحسب ما يقول مسؤول بارز في التيار، علماً أن «الجمعية العمومية العادية لشركة سوليدير لم توزّع أرباحها هذا العام، فهل كانت بعض آلاف الدولارات ستكسرها لو أنها صرفت لتجميل وسط المدينة في الأعياد؟».
الزينة الفقيرة في وسط البلد الخاضع لـ»سيادة» الشركة و»سلطتها» ليست سوى رأس جبل من الملاحظات على «سوليدير» وأدائها. يؤكد المسؤول المستقبلي أن لقاءات تعقد منذ أشهر، يشارك فيها وزراء ونواب ومسؤولون في التيار، لدرس حقبة الرئيس رفيق الحريري، بإنجازاتها وإخفاقاتها. ويشير الى أن «سوليدير» احتلّت حيزاً واسعاً من البحث، ونالت كمّاً وافراً من الانتقادات، وإجماعاً على أن «كل ما يحصل في المنطقة المسّماة سوليدير والتي تُشرف عليها إدارة هذه الشركة استشارة وتنفيذاً، يحول، في الواقع، دون تحوّل وسط بيروت معلماً سياحياً ومنطقة تستقطب المستثمرين كما خطّط له الرئيس الشهيد». وقد نال الشمّاع نصيباً كبيراً من سهام النقد والتجريح المستقبلية، وصلت إلى حدّ التشكيك في وضعه العلمي. ونبش بعضهم «هجومه على الرئيس الحريري حين كان يفكّر بتعيين الرئيس تمّام سلام مديراً للجمعية العمومية قبل أن يلعب الحظ إلى جانبه فيقطف هو المركز». فالرجل «الذي أتى به الحريري لسبب وحيد، هو أنه كان يسعى لتنصيب رجل لا يعارضه ولا يناقشه»، بحسب المسؤول نفسه، «تحوّل امبراطوراً. وهو ينتقل من بلد إلى آخر، يفتتح شركة هنا وفرعاً لها هناك، من القاهرة إلى عمّان إلى موناكو، تاركاً إدارة الشركة، في الكبيرة والصغيرة، لمساعدة ادارية عنده، ويقفل هاتفه ويحصر حق التوقيع به، من دون أن يحاسبه أو يتابع إدارته أحد، وكل ذلك في ظل مجلس إدارة غائب عن الوعي».
ومن الملاحظات المستقبلية على «سوليدير» أن «الشركة كانت سبباً في تعطيل عدد من المشاريع التي كان من شأنها إحياء وسط العاصمة». ففي عام 2006 «عطّلت الشركة مشروع نقل ردم الضاحية إلى أطراف سوليدير، لأن الشمّاع أصر على أن تبقى المساحة الممتدة من مطعم المندلون حتى المرفأ ملكاً لشركته، وألا تتملّك الدولة أي مساحات تنتج من ردم البحر»، فيما لا يزال مشروع «التياترو الكبير» الذي بني عام 1929 جامداً بسبب إصرار سوليدير على تحويله الى فندق بدل أن يكون صرحاً ثقافياً كما كان مقرراً.
مجلس إدارة غائب عن
الوعي والحل والربط في يد مساعدة الرئيس
الشمّاع لوقف التوظيفات السياسية ولا إجابات مقنعة حول خسائر الشركة
أكثر من ذلك، فإن الشمّاع «وضع رأسه في رأس الرئيس فؤاد السنيورة». فإبّان زيارة الأخير لسلطنة عمان عام 2005، عرض على السلطان قابوس بن سعيد تشييد مركز ثقافي عُماني تتولّى مسقط تمويله في وسط بيروت. وبعد موافقة الأخير، اختيرت الأرض المنوي تشييد البناء عليها، وتقدّم عشرات المهندسين بمجسّمات للمركز، لكن الشماع عرقل المشروع بعدما طالب بزيادة عامل الاستثمار لسوليدير بين المندلون والمرفأ مقابل الموافقة على تخصيص أرض للمركز.
تحفل جعبة المستقبليين بكثير من العتب واللوم على الشماع «لتعطيله مشاريع كانت، في حال إنجازها، ستعيد إحياء وسط بيروت بدلاً من احتكار المنطقة بطريقة تخدم المتمولين والمساهمين في الشركة». لكن هذه الاعتراضات المستقبلية تبقى كلاماً وراء الكواليس الزرقاء، وهي، وإن وصلت إلى حد الحديث عن ضرورة تغيير الشّماع، إلا أن «المشكلة تكمن في عدم وجود بديل له لدى الرئيس سعد الحريري»، أو على الأصح «في أن سوليدير اليوم ليست على رأس قائمة الأولويات في زمان التكفير والاحتقان المذهبي».
آخر المستجدات تمثلت في سعي الشماع إلى توسيع صلاحيات مدير العمليات في الشركة جمال عيتاني على حساب المدير العام المساعد منير دويدي. ووصل الامر الى حد انه طلب من عيتاني ان يركن سيارته في الموقف المخصص لدويدي، الذي يقول مطلعون في الشركة انه حاول تهدئة الامور، ولكنه وصل الى لحظة غضب فتوجه صوب الرئيس سعد الحريري طالباً تدخله، وعارضاً الاستقالة إن كانت هناك شكوك في دوره. لكن الحريري الممتنع عن اتخاذ اي قرار في هذه المرحلة، وعده بمعالجة لم يحصل منها شيء. علماً ان الدويدي نفى في اتصال مع «الأخبار» وجود خلافات بينه وبين المدير العام او ان يكون قد توسط لدى الحريري. لكن نافذين في الشركة يلفتون الى أن الشماع يحتاج العيتاني لتنفيذ خطة عمل جديدة، تقضي بوقف التوظيف نهائياً، واقالة وإعفاء عدد كبير من «الذين أُجبرنا على حشوهم في المؤسسة بناءً على طلب مرجعيات نيابية ووزارية وسياسية، وصاروا عبئاً على المؤسسة» على ما نقل عن الشماع. ويقول هؤلاء ان الاخير نبه مساعديه الى ضرورة عدم شمول المحسوبين على السنيورة وعلى نادر الحريري بقرار التطهير.
الأمر الآخر يتعلق بكون الشماع الذي لا يملك اجابات مقنعة حول خسائر الشركة، قرر رفع مستوى الايرادات، وطلب فرض رسوم خدمات جديدة، ورفع بدلات الايجارات وعدم التوقف عند اي اعتراض. واعتبر ان الذين يعيشون في الوسط او يديرون شركات ومتاجر يملكون مالاً وافراً يتيح لهم تسديد نفقات جديدة.
ويقول نواب من بيروت، انهم صاروا مضطرين إلى التدخل لدى السنيورة او نادر الحريري لضمان بقاء المحسوبين عليهم داخل الشركة او تحسين اوضاعهم الوظيفية، وان الشماع لا يهتم ابداً لاتصالاتهم به، ولا يرد على معظمها.