بعد أكثر من سنتين من المعارك، فقدَ الجيش السوري مُعسكرَي "وادي الضيف" والحامديّة في ريف إدلب شمالي سوريا، في معركة جاءت كِلفتها عالية على الطرفين. فلماذا نجح الهجوم الأخير بعد فشل العديد من الهجمات السابقة، وماذا في التبعات؟
بالنسبة إلى الأسباب التي أدّت إلى سقوط المعسكرين والحواجز الأمنيّة النظاميّة في المنطقة، فهي تُختصر على الشكل التالي:
أوّلاً: لأوّل مرّة نسّقت فصائل المعارضة السورية هجومها المُتزَامن والمفاجئ، وحرصت على إشراك أعداد كبيرة من المقاتلين فيه، قُدّرت بنحو 2300 مقاتل(1)، في مقابل نحو 1500 جندي وضابط في الجيش السوري مُوزّعين على نحو أربعين موقعاً في مساحة جغرافية تُقدّر بنحو 39 كيلومتراً مربّعاً.
ثانياً: كان لإستخدام صواريخ متطوّرة مُضادة للدروع (من طراز Tow) أثر حاسم في سير المعركة، حيث جرى تدمير العديد من الدبابات والمدرعات قبيل إنطلاق الهجوم البرّي.
ثالثاً: أشركت المعارضة في هجومها في إدلب عدداً من الدبّابات الروسية الصنع(2)، إضافة إلى مختلف الأسلحة الثقيلة التي تملكها.
رابعاً: في الأسابيع القليلة الماضية لم يعد وضع القوى النظامية الموجودة في المعسكرين المذكورين أعلاه كما كان سابقاً، نتيجة تراجع الإمدادات اللوجستيّة التي كانت تصلهما عبر طريق مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، بفعل إستهدافها بالقذائف ونيران المُضادات الأرضيّة.
خامساً: لم تكن المُساندة الجَويّة التي نفّذها الطيران السوري بحجم ضخامة الهجوم، بحيث فشلت في إيقافه، على الرغم من إلحاق خسائر بشريّة كبيرة في صفوف المهاجمين.
بالنسبة إلى النتائج والإرتدادات المُترتّبة على سقوط مُعسكري "وادي الضيف" والحامديّة، فهي تُختصر بما يلي:
أوّلاً: بسقوط هذين المعسكرين، خسر الجيش السوري مجموعة من الحواجز والمراكز العسكرية التي تفصِل بين ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وخسر أيضاً خط إمداد عبر الطريق الدَولي بين دمشق وحلب الذي صار مقطوعاً. وتأثّرت أيضاً خطوط التواصل بين الساحل غرب سوريا وعمق البلاد، وبين وسط سوريا وحلب إلى الشمال.
ثانياً: أعاد هذا التحوّل الميداني إحياء حلم إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، وهو ما تُروّج له تركيا منذ فترة زمنيّة طويلة، وبات مصير مدينة إدلب على المحكّ أيضاً، علماً أنّ هذه المدينة هي الوحيدة التي لا تزال بقبضة النظام السوري في هذه المحافظة، إضافة إلى بعض الجيوب الصغيرة في الريف.
ثالثاً: سيُؤثر إحتدام المعارك بين الجيش السوري ومُسلّحي المعارضة سلباً على الجهود القائمة لمحاولة الوصول إلى وقف للنار على غير جبهة، خاصة في حلب، حيث باتت مُبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في مهبّ الريح.
رابعاً: يَضُمّ معسكر "وادي الضيف" خزّانات ضخمة للمحروقات بسعة تبلغ خمسة ملايين ليتر، ما قد يعود بالفائدة الميدانية على المعارضة، لجهة تزويد آليّاتها بالوقود ولجهة بيع قسم منها، في حال لم يتمّ قصفها من الجوّ في المُستقبل.
خامساً: صحيح أنّ هذه المعركة لن تُغيّر الشيء المهمّ على المستوى الإستراتيجي للحرب في سوريا، خاصة وأنها تترافق مع تقدّم الجيش السوري على جبهات أخرى، منها في حلب مثلاً، لكنّ الأصحّ أنّها جعلت المعارضة تلمُس عن قُرب أهمّية توحيد الجُهود القتالية للحصول على نتائج ميدانية، الأمر الذي قد يدفعها إلى وضع إنقساماتها جانباً في المعارك المُقبلة.
سادساً: شكّلت خسارة المعسكرين ضربة معنويّة قاسية للجيش السوري، وفشلاً ميدانياً قد يكون الأوّل من نوعه للعقيد سهيل الحسن الملقّب بالنمر(3)، والذي كان وضع خطة قتالية تقضي بربط ريف حماة بريف إدلب، من دون أن يتمكّن من تنفيذها، أقلّه حتى اليوم.
(1) شارك في الهجوم المُنسّق مجموعات قتالية من كل من "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام"، و"صقور جبل الزاوية"، وغيرها من الفصائل الإسلاميّة.
(2) كانت "جبهة النصرة" قد إستولت الشهر الماضي على عدد من الدبابات، إضافة إلى صواريخ Tow أميركيّة الصنع، بعد طردها لمقاتلي "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم" المدعومتين من الغرب وأميركا، من ريف إدلب.
(3) المعروف عن العقيد سهيل الحسن (رفض تسلّم رتبة عميد التي رُقّي إليها قبل إنجاز مهمّات أمنية أُسندت له) أنّه شرس على جبهات القتال، وهو سبق أنّ حقّق إنتصارات ميدانية عدّة، وذاع صيته كثيراً في كامل الأراضي السوريّة، وصارت الوحدات التي تعمل بإمرته تُسمّى "قوّات النمر".