عندما تكرر الديبلوماسيّة الروسية بلسان ميخائيل بوغدانوف تمسكها بتأييد «إعلان بعبدا» وتذهب أبعد من ذلك لتطالب بتعميمه على بلدان «الشرق الأوسط»، فهي بالطبع لا تتقصد مناكفة حليفها اللبناني «حزب الله»، بقدر ما تتعمد إيصال رسالة للدولة اللبنانية ولـ«حزب الله» والعالم الشرق أوسطيّ معاً، أنّ «إعلان بعبدا» الذي صاغه الرئيس ميشال سليمان بميزان الجوهرجي، جاء ليخدم «حزب الله» قبل أي طرف لبناني آخر، ويخدم المصلحة اللبنانيّة الصافية ويخدم كلّ من يجد في التحييد ممرّاً آمناً يقيه شرّ «أمواج الدماء»، انطلاقاً من حرص سليمان على السيادة اللبنانيّة أولاً، وانطلاقاً أيضاً من حرصه القديم - الجديد، كحرص الكثيرين، على عدم صرف الرصيد الجنوبي الذي جمعته المقاومة بدماء الشهداء، في معركة خارج الحدود اللبنانية، أعطت بنظر الكثيرين، للإرهاب مبرراً لتهديد أمن لبنان وسلامته، وضاعفت وتيرة الاحتقان المذهبي البغيض.
ميشال سليمان نفسه، الذي افتتح عهده الرئاسيّ بخطاب قَسَمْ، قال فيه «إن نشوء المقاومة، كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها، ونجاحها في إخراج المحتل، يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها، إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الإسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازماً مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الاستراتيجية. فلا تُستهلك إنجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني».
هذا الحرص الذي أساء «حزب الله» فهمه، تارةً لأجل مسايرة حليف يعتقد عن غير حقّ أن الرئاسة حكراً له وكلّ من يشغل كرسيّها «منتحل صفة» حتى لو دام التعطيل إلى ما شاء الله، وتارةً أخرى بسبب بعض الكَتَبة الذين تعمّدوا لغاياتٍ عديدة، الإساءة الى تاريخ القائد السابق للجيش، الذي كان أول من تشرّف بـ«فك رقبة» الإرهاب، في الضنيّة ونهر البارد.. الجنرال الذي دفع ديّة الدمّ من عسكره وضباطه في حرب تموز 2006 دفاعاً عن أرض بلاده في مواجهة الهمجيّة الإسرائيليّة.
في ظلّ كلّ ما حصل ويحصل الآن وخلال الآتي من الأيام، سيلمس «حزب الله» لمس اليد، كم تسرّع في إصراره على التقليل من أهميّة «إعلان بعبدا» ويكتشف أيضاً، أن عرّاب الوثيقة التاريخيّة لتحييد لبنان، أثبت أنّ رؤيته الموضوعيّة للحلّ، كانت الأسلم، ومنسوب حرصه على المصلحة اللبنانيّة والصيغة، بمختلف مشاربها السياسيّة وتلاوينها المذهبيّة كان الأعلى، على حساب الحساب الشخصيّ، الذي لو فعل فعله لما كان الشغور سيّد القصر.
وعلى قاعدة المثل اللبناني الشهير «صديقك من صَدَقَكْ لا من صدّقَكْ» أو هللّ لكْ لغاياتٍ في نفس «مسترئِس»، ستنكشف الأقنعة بعد حين، ليتبيّن خيط الاعتدال الأبيض الذي حرص آخر جنرالات بعبدا على تدعيمه، من خيط الشيطنة الأسود الذي حاول «أبلسة» فئة أساسيّة من هذه التركيبة الفريدة، فجاء إليها بالهدايا المفخخة من خارج الحدود، حملها «بابا ميشال» في صندوق سيارته، لتزرع حقدها هنا وهناك..
بالمناسبة، ألم تقم قيامة «حزب الله» وقتذاك على الرئيس سليمان، قبل أن يكتشف الحزب سريعاً أن الموقوف حتى الساعة ميشال سماحة، غارق في جريمة نقل المتفجرات حتى أذنيه.. فكم من «سماحة» ما زال حتى اللحظة، يختبئ خلف عناوين كبيرة، ويعمل في سرِّه على زرع الفتنة؟