راوحت ردود الفعل على الحوار الذي انطلق من عين التينة بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" بين حدي عدم المبالاة وكثرة الاجتهادات، خصوصًا أنّ أصحاب الرأي الاول يعتبرون أنّ أيّ حوار بين مكوّنين فقط لا يمكن أن يصل إلى خواتيمه السعيدة، باعتبار أنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ الثنائيات في اتخاذ القرار لم تؤدّ إلى النتائج المرجوة، فكيف هو الحال بالنسبة إلى الاوضاع الراهنة حيث تتداخل الامور وتتضارب مصالح الطوائف والمذاهب، ما يعني أنّ غياب المكون المسيحي والدرزي عن الحوار من شأنه أن يُفرغه من مضمونه وإن كان يساعد على تبريد الاجواء بين فريقين اساسيين، فيما يرى اصحاب الرأي الثاني أنّ بداية هذا الحوار تعني ترجمة لحوار اقليمي بدأ يتبلور في مضمونه بعيدًا عن بهرجة الاعلام وما يمت اليه بصلة على اعتبار أنّ السرية مطلوبة في هذه اللحظة السياسية الحساسة.
وفي وقتٍ تكتّمت فيه مصادر "حزب الله" عن كل ما حصل داخل جدران عين التينة، أكد قيادي "مستقبلي" أنّ مجرد البدء بالحوار بين الفريقين السني والشيعي الأقوى على الساحة الداخلية من شأنه أن يرتدّ إيجابًا على التعاطي العام في البلاد، كما يؤسّس إلى أداءٍ حكومي أقرب إلى التماسك منه إلى النفور السائد حاليًا، خصوصًا أنّ هناك أكثر من اختلاف في وجهات النظر حول معالجة الكثير من القضايا الداخلية وعلى رأسها الاتفاق على نهج الرئيس العتيد بمعزل عن هويته السياسية أو الشخصية، إضافة إلى التعاطي مع ملف العسكريين المخطوفين لا سيما بعد أن تحوّل "حزب الله" إلى لاعب اقليمي قادر على فرض أمر واقع على مسارات الحلول لازمات المنطقة.
ويشير المصدر إلى أنّ الحوار انطلق ثنائيًا ليتحول في مرحلة لاحقة إلى ثلاثي فرباعي، أي بعد انضمام رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط والمكوّن المسيحي، على ان يتم ذلك بعد الحوار المسيحي-المسيحي الذي قد يبدأ في أيّ لحظة بين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في ظل أجواء إقليمية مؤاتية في الشكل والمضمون بعد الحراك الدبلوماسي الناشط، الذي أدّى إلى نوع من الاسترخاء السياسي المفترض أن يتحوّل لاحقا إلى ترجمة عملية على الصعد كافة.
غير أنّ القيادي عينه لا يسترسل في التفاؤل لعدة اعتبارات اولها ان الحوار السني الشيعي محكوم بعوامل اقليمية لا يمكن القفز فوقها في الوقت الراهن أو في المستقبل، في ظل انتظام العالم العربي في محاور كبرى لا تقيم وزنا لمصالح الدول الصغيرة ولا للطوائف والمذاهب بل لمصالحها الاستراتيجية التي تنطلق من مسلّمات سياسية واقتصادية وعرقية واثنية، إضافة إلى اعتبارات طائفية تتعدى العقائد لتصل الى صميم الطائفية السياسية والقيادية التي بدأت تتحكم بالانظمة العربية برمتها.
وبالعودة إلى أصحاب الرأي الاول، يبرر المصدر موقف هؤلاء بالتجارب السابقة التي تثبت أنّ الوضع اللبناني بات محكومًا بالتحولات الاقليمية عموماً والسورية خصوصًا، مع الاشارة إلى أنّ الواقع السوري وارتداداته على الساحة اللبنانية يجسد بشكل أو بآخر الحالة الاقليمية بكل زواريبها وتفاصيلها، ما يعني أنّ أيّ حوار لن يؤدي إلى أيّ نتائج آنية أو بعيدة الامد ما لم يكن ترجمة لحوار أكبر يجري على مساحة اكبر، وبين لاعبين أكبر حجما وأفعل وزنا في المعادلة الاقليمية والدولية التي قد تتأثر بمواقف هذا الفريق او ذاك لا من ناحية الشكل ولا المضمون، وبالتالي فإنّ العبرة تبقى في توسيع طاولة الحوار اولا وإدراج المزيد من المواضيع على جدول اعمالها ثانيا.