في الوقت الذي كان فيه العالم مشغولاً في الحديث الصحافي، الذي نقلته مجلة "دابق"، الناطقة رسمياً باسم تنظيم "داعش"، عن الطيار الأردني معاذ الكسابسة، الذي سقطت طيارته قبل أيام بالقرب من محافظة الرقة السورية، كانت المجلة نفسها تتسبب بإحراج كبير لمناصري التنظيم، بسبب مقالين تناولا أبرز القيادات التاريخية للتنظيمات "الجهادية"، لا سيما زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن.
منذ وقوع الخلاف بين جبهة "النصرة" السورية وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، بعد إعلان زعيم الأخير أبو بكر البغدادي حل الجبهة وتأسيس ما يُسمّى بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أصبح من الطبيعي أن تشن قيادات "داعش" أعنف الهجومات على قيادات "القاعدة" الحالية، لا سيما أميرها أيمن الظواهري، الذي وقف إلى جانب زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني، لكن لم تصل الأمور في أي لحظة إلى شن هجوم على "القائد" التاريخي أسامة بن لادن، لا بل كان أنصار "الدولة" يعمدون إلى الإستشهاد بخطاباته من أجل التأكيد على إنحراف التنظيم "الأم"، إلا أن الأوضاع تبدلت على ما يبدو من خلال المقالين المذكورين.
في المقال الأول، الذي يحمل عنوان "قاعدة الظواهري والهراري والنظاري، والحكمة اليمانية المفقودة"، أشارت إلى أن النظاري "ماكر كالجولاني، خبيث كالهراري، كثير الكلام كأبي عبد الله الشامي، متناقض كالظواهري"، كما وصفت الظواهري بـ"المنحرف والمخرّف والضالّْ والمبتدع"، وقادة اليمن بـ"العصاة المنافحين عن المرتدين"، والملا عمر بـ"الضال المبتدع".
أما في المقال الثاني، الذي يحمل عنوان "قاعدة وزيرستان، ونظرة من الداخل"، يقول الكاتب: "كنت قبل الحادي عشر من أيلول أرى انحراف عقيدة القاعدة"، ويضيف: "دخلت السجن وخرجت وظلت القاعدة جماعة من المرجئة كما هي"، ويلفت إلى أن "من علامات انحراف القاعدة تأييدهم لما يسمى الربيع العربي"، ووصف "طالبان" باكستان وأفغانستان بأنهم جماعات "قومية".
بعد صدور المجلّة، وجد أنصار "القاعدة" فرصة ذهبية لشنّ حملة واسعة على أنصار "داعش"، متسائلين عن الأسباب التي تدفعهم إلى الهجوم على بن لادن، بعد أن كانوا يدّعون أنهم على منهجه، ومعتبرين أن على قيادة التنظيم أن توضح موقفها الفعلي، لا سيما من موضوع إتهام "قاعدة بن لادن" بأنها "مرجئة"، متوقعين أن يكون ما ورد في "دابق" مقدمة لإعلان ردّة "القاعدة" بالكامل.
في الجهة المقابلة، كان أنصار "الدولة" على مواقع التواصل الإجتماعي يشعرون بالإحراج، لا سيما بعد إتهامهم بالقيام بما لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها القيام به على مدى سنوات طويلة، إلا أن بعضهم سارع إلى تبرير ذلك بأن أنصار "القاعدة" جاهلون باللغة الإنكليزية، التي تصدر فيها المجلة، في حين تحدث البعض الآخر عن تحريف ما حصل، إلا أن اللافت كان إصرارهم على نشر صور لمراكز لهم تحمل اسم بن لادن للتأكيد على المكانة التي له عندهم.
وفي هذا السياق، تتوقع مصادر إسلامية متابعة، في حديث لـ"النشرة"، أن يكون لهذا الأمر تداعيات كبيرة على مستوى العلاقة بين هذه الجماعات، باعتبار أنّ بن لادن يحظى بشعبية واسعة بين مختلف التنظيمات التي تطلق على نفسها وصف "الجهادية"، وهي تجمع على أنّ الرجل هو الذي "أرعب" الولايات المتحدة الأميركية من خلال عملية الحادي عشر من أيلول.
مع ذلك، فإنّ المصادر لا تستبعد أن يكون هذا الأمر مقصودًا من قبل "داعش"، ومن هنا تعتبر أنه في حال لم يسارع التنظيم إلى إيضاح ما ورد بحقّ بن لادن، فذلك سيعني أنه يوافق ضمنياً عليه، وبالتالي يكون من خلال ذلك يريد قطع كل علاقة له مع تاريخ "القاعدة"، لا سيما أنه يُصر في كل مرة على التأكيد بأنه لم يكن في أي يوم جزءاً التنظيم "الأم".
تجدر الإشارة إلى أن المجلّة نفسها تضمّنت، من خلال المقالين المذكورين، هجوماً عنيفاً على أبرز منظّري "التيار السلفي الجهادي"، أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، وصل إلى حد وصفهم بـ"الأئمة المضلّين".