بدأ العام الجديد أول أيامه مثقلا بالملفات السياسية والامنية والاقتصادية الضاغطة الموروثة من العام السابق وما قبله، كما استهلّ ساعاته الاولى على أصوات الغارات الجوية السورية، ودوي المدفعية في جرود عرسال، في مشهدٍ يوحي ببدايات سيئة قد لا تكون أفضل حالا من نهايات العام المنصرم، في ظل ارباكات اقليمية ودولية ترخي بتداعياتها الثقيلة على الساحة الداخلية.
ويبدو أنّ الملفات الداخلية ليست وحدها التي تثقل رزنانة الايام والاسابيع المقبلة وأجندتها، بل الملفات الاقليمية والدولية برمتها، حيث تداخلت الاستحقاقات العراقية والسورية الى جانب تلك اللبنانية بشكل منتظم، وأسّست لسلّة واحدة من الازمات والمشاكل المتراكمة تستدعي سلة متكاملة من المفاوضات والحلول، خصوصًا أنّ تسارع التحولات بدأ يراوح بين حدي الانفجار والانفراج، ذلك أنّ التطورات الميدانية العراقية تتزامن مع تصعيد على جبهة القلمون السورية، وتترافق مع محاولات جادة لتبريد الساحة اللبنانية من خلال حوارات متنقلة ومتفرقة من شأنها ان تريح الاجواء من دون مقاربة الحلول، في ظل كلام لاحد القادة السياسيين يؤكد أنّ الافق القريب لا يحمل انفراجات ولن يشهد على ولادة رئيس جديد، ولكن الواقع اللبناني متقلب وقد يحمل مفاجآت بين ليلة وضحاها.
غير ان تطورات القلمون السورية المترافقة مع تحركات في جرود عرسال اللبنانية ارخت بظلالها على بدايات العام الجديد، فالخسائر التي لحقت بالمسلحين فاقت توقعاتهم في ظل حراكهم المستمر الهادف الى النفاذ من الحصار الناري والجوي والى تحقيق خروقات على الجبهات اللبنانية التي يرابض فيها "حزب الله" من جهة فليطا والزبداني والجيش اللبناني من جهة عرسال والقاع وبعض الممرات في البقاعين الشمالي والغربي. وفي هذا السياق، توقفت الأوساط عند التوتر القائم في صفوف المجموعات المسلحة، وأرجعتها إلى الإرباك الإقليمي العام، خصوصًا أنّ هذه المجموعات تتلقى الدعم من دول مختلفة بدأت مصالحها الاستراتيجية تتضارب بشكل لافت، على وقع الحوارات الثنائية والجانبية التي تحصل هنا وهناك، في وقتٍ بدأ نفوذ "جبهة النصرة" يتلاشى في القلمون، وهو ما يفسّر سماح الجيش السوري بعبور مسلحي "داعش" عبر الجبال والوديان التي يسيطر عليها والتحاقهم بجبهة الجرد العرسالي الى جانب جبهة النصرة التي بدأت تعد العدة لمواجهات مع التنظيم الاسلامي المتشدد في انعكاس لتضارب مصالح الدول الممولة.
هذا لم يمنع الاوساط من الاعتبار ان الايام القليلة المقبلة ستكون الاشد وطأة على الجيش اللبناني في عرسال ورأس بعلبك، في ظل معطى من شأنه الدفع بـ"النصرة" "وداعش" الى الاسراع في اشعال الجبهة وهو الطقس البارد والعواصف المتوقعة، خصوصا ان هذا الأمر وحده كفيل بالحدّ من حركتهما، نظرا الى صعوبة الانتقال على الجبهة من جهة والنقص الحاد في المواد الطبية والغذائية بعد تشديد الجيش اللبناني للحصار، اضافة الى حاجة الارهابيين لتحريك ملف العسكريين المخطوفين من خلال التهويل بسلامتهم في حال استمرار الجيش بتنفيذ خريطته الامنية التي ستؤدي عاجلا ام آجلا الى عملية خلط اوراق قد تدفع بهاتين المنظّمتين الى تحريك خلاياهما اينما تسنى لهما ذلك.