الحوار بين الرابية ومعراب ليس مضيعة للوقت البتّة. ما يجري في اللقاءات الثنائية بين أمين سرّ تكتّل "التغيير والاصلاح" النائب ابراهيم كنعان ومستشار رئيس حزب "القوات اللبنانيّة" سمير جعجع ملحم رياشي يكاد يكون خارطة طريق جديدة بين الخطّين السياسيين المتخاصمين الى حد العداوة.
مع انطلاقة الحوار ظن الكثيرون أن لا جدية لمثل هكذا حوارات لأسباب عدّة أبرزها اختيار المتحاورَين من كلا الطرفين، فالنائب ابراهيم كنعان ليس صقر التيار العوني ولا المستشار ملحم رياشي صقر القوات، في حين أن "حزب الله" اختار صقوره لمحاورة صقور "تيار المستقبل".
ثانياً، أتى الحوار بين الفريقين بعد خوفهما من اتّفاق اسلاميّ-اسلاميّ يفضي الى نتائج على صعيد رئاسة الجمهورية، لا بل الجمهورية، وقد لا تُحمد عقباها. ولم يأت نتيجة قناعة من الطرفين بضرورة توحيد الصفّ المسيحي.
الا أن ما رشح عن الاجتماعات الثنائية والتي باتت تحصل باشراف عون وجعجع كان كافياً لتغيير المشهد السوداوي رويداً رويدا، خصوصاً مع سحب الدعاوى المقدّمة من قبل الفريقين بحق بعض الاعلاميين المنضوين في صفوفهما.
مصدر مواكب للمفاوضات الجارية أكّد بروز علامات "غيرة" عند قياديّي الطّرفين بعد اقتناعهم بجديّة الحوار، فباتوا يطالبون بتوسيع حلقة المتحاورين. في التيّار لم يرض معارضو النائب كنعان وخصومه باعطائه منفرداً ملفّاً بهذا الحجم يظهره بمظهر الممسك باللعبة السياسية في التيّار والمقرّب الى عون، في الوقت الذي بدأت تبرز في التيّار بعض الحساسيّات الحزبية والمناطقية في المنافسة بالنسبة الى ما بعد مرحلة العماد ميشال عون.
وفي هذا السياق طلب الجنرال من كل المعترضين عدم التدخّل في هذا الملفّ، معتبراً أن النتائج الايجابية التي بدأت تطفو الى العلن لم تكن لتتحقّق الا من خلال عدم اشراك الصقّور في المفاوضات الجارية.
أمّا في "القوات"، فالطّامحون كثر والمطالبون بضرورة الامساك بملفّ التفاوض أكثر، خصوصاً وأن بروز نجم رياشي سيجعله رقماً صعبا في المعادلة القوّاتية المحسوبة على جعجع ما سيُضعف جناح النائب ستريدا جعجع رويداً رويدا. وفي هذا الاطار طلب جعجع من رياشي عدم اطلاع النوّاب على مجريات المفاوضات، كما وحصر التباحث في تطوّره بفريق من المستشارين بعيداً من الصقور الحزبية منعاً لعرقلة ما تحقّق الى الآن وما قد يتحقّق قريباً.
أما ما لم يسرّب بعد من مضمون اللقاءات الثنائية بين الحزبين، فهو الأهم، اللقاء بين قطبي التيار والقوات بات محسوماً وعلى قاب قوسين من حصوله وهذا ما كشف عنه الجانبان. أما ما لم يعرف فهو:
أولاً: الاتّفاق المبدئي على المطالبة بتعديل دستوريّ يعطي رئاسة الجمهورية صلاحيّات واسعة ويتعهّد عون بأخذ موافقة الثامن من آذار في حين يتعهد جعجع أخذ موافقة الرابع عشر منه.
ثانياً: يتم الاتّفاق على تعديل الدستور لمرّة واحدة فقط على أن يشمل انتخاب رئيس للجمهورية ونائب له.
ثالثاً: بلورة اتفاق على صعيد رئاسة الجمهوريّة قد يأتي بعون رئيساً للجمهورية لمدّة ثلاث سنوات على أن يكون جعجع خلفًا له للمدّة عينها، او ما يراه الفريقان مناسبًا لمنصب الرئاسة الأولى.
رابعاً: عقد لقاء رباعيّ وبرعاية عون يضمّه وجعجع والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في محاولة لطيّ صفحة قديمة، على أن يُتّفق لاحقاً على كيفية التعاطي بالنسبة للغة التخاطب بين "القوّات" و"حزب الله".
خامساً: عقد مؤتمر وطني واسع يضع أسساً للبنان جديد مع تعديلات دستورية ضرورية لبناء دولة عصرية مدنيّة.
اللقاء اذا بين عون وجعجع تأخر حتّى الآن نزولاً عند رغبة الرجلين بعدم الالتقاء لمجرّد التقاط الصور. فالنتائج التي يحلمان بتحقيقها من خلاله، ستكون الأمل الأخير لمسيحيّي لبنان بامكانية بناء شراكة حقيقية مع الحليفين المسلمين على قاعدة الاحترام المتبادل.
في هذه الأثناء تواصل الحزبين مع شركائهما لا يزال قائماً وهما يطلعان "حزب الله" و"المستقبل" على كل التطوّرات في سبيل تكوين صورة نهائيّة قبيل اعطاء الوعود لبعضهما بالبنود الخلافيّة كافة.