بما أنّ شرح خلفية ما حصل من اعتداءٍ مسلّحٍ منظّمٍ جداً وسط العاصمة الفرنسية، أي وسط القارّة الأوروبية، ولأن الخلفية ليست آنية فقط أو مباشرة، بمعنى أنّها ردّة فعل على رسوم مهينة للنبي أو للإسلام عموماً، ليس إلا... لذا فهي بحاجة للرجوع أكثر في تسلسل أحداثٍ كبيرة، وربما متباعدة نوعاً ما في التاريخ الحديث الماضي، تصل الى سبعينيات القرن الماضي، إن أردنا أن نرى ما ينتظرنا بعد هذا «الاعتداء ـــ المحطة». وبشكلٍ أقرب إلى الوضوح، نكتفي اليوم بطرح مجموعة من الأسئلة التي قد تبدو غير مترابطة، ربما، لكنّ الربط الكبير الظاهر بينها هو أن معظمها حصل في الفترة الزمنية نفسها:
أولاً ـــ ما هو برأيكم السبب وراء الموجة العارمة التي انتشرت في أوروبا من اعتناقٍ للإسلام أو التوجّه نحو البوذية ابتداءً من نهاية السبعينيات؟
ثانياً ــــ من هي الجهة الدولية أو النافذة المصرّة على إبراز الصورة الهمجية البدائية للدين الإسلامي، في مقابل حضارية الدين المسيحي بشكلٍ عام؟ وبما يفيدها ذلك، أو يفيد أو يؤدّي إلى ماذا؟ وهذا هدف لا يجوز التلاعب أو التجريب به، لأن فيه مسّاً بعامل كبير قديم قدم التاريخ، ألا وهو: الدين... أي مفهوم الله المتعدّد لدى الشعوب، التي تضطر في النهاية للتسليم بشيء واحد كي لا تعود إلى حروب دينية قد تفني الجميع على الأرجح، وهو: أن الله واحد (وكلّ على دينه الله يعينه).
ثالثاً ــــ هل يوجد طرف يريد إخلاء أوروبا من المسلمين؟ وإلى أين يتصوّر أنهم قد يهجرون؟ وهل هذا وارد بعد أم واقعي أم ممكن؟ ألا يبدو خيالياً لشدّة غباء أو جهل أو استهتار من هو خلفه؟
رابعاً ــــ هل فكّر أحد في تشابه الشكل في الإعلان والأداء بين تنظيم القاعدة وسرّيته وتنظيمه وبين حركات اليسار المتطرّف أو ما سُمّي وقتها «اليسارَ المغامر» في أوروبا تحديداً، وذلك بين الأعوام 1970 و1997 تقريباً، منظمات كـ: «بادر ماينهوف» (ألمانيا)/ «الألوية الحمراء» (إيطاليا)/ «العمل المباشر» (فرنسا)/ إلخ...؟ هل فكّر أحد في القاسم المشترك الأساس بين متناقضين كهذين؟ أي تطرف يساري وتطرف إسلامي؟
خامساً ــــ هل لاحظ أحد الترابط أو التزامن بين انهيار الاتحاد السوفياتي الأخير في عام 1992 وتوالي تفكّك عدد من البلدان الأوروبية الشرقية، تفكّك بمعنى انفضاح تركيباتها الطائفية والإثنية الأساسية على الملأ، من الشيشان إلى تشيكوسلوفاكيا إلى رومانيا إلى ألبانيا إلى يوغوسلافيا إلخ... بلدان ما كنا نعرف يوماً دين أي مواطن ينتمي إليها؟ وهل كانت عودة هذه الشعوب إلى أصولها الدينية مفيدة بشيء سوى القتل والتشرذم والإفقار وانفراط الدول؟!
(يتبع غداً)