صاعدت خلال الأسبوع الماضي حدة النقاش السياسي في ملف إدارة النفايات المنزلية الصلبة. لافتات الحزب التقدمي الاشتراكي تملأ طرقات البلدات المحيطة بمطمر الناعمة – عين درافيل، معلنة حسم إغلاق المطمر في كانون الثاني الجاري، موعد انتهاء عقد تشغيل المطمر الموقع مع شركة سوكومي. وزير الزراعة أكرم شهيب، كان أكثر وضوحاً عندما أعلن في ندوة نظمها "الاشتراكي" في قبرشمون الأسبوع الماضي أنّ "وليد جنبلاط هو من فتح المطمر، ووليد جنبلاط سيغلقه". وعندما كرر وزير البيئة محمد المشنوق طلبه أن يُمدَّد العمل بالمطمر أشهراً إضافية إلى حين تشغيل المتعهدين المواقع الجديدة، ردّ شهيب ببيان صحافي حاسم: "لن نقبل بتمديد المطمر يوماً واحداً"!
يضيّق هذا الحسم السياسي الجنبلاطي هامش المناورة عند مختلف الأطراف التي ترغب في توسيع النقاش حول الخطة المطروحة وتفاصيل دفاتر الشروط التي أعدها مجلس الإنماء والإعمار لإطلاق مناقصات الكنس والجمع والنقل والفرز والمعالجة والطمر التي حصلت "الأخبار" على نسخة منها، وهي تتجاوز خمسة آلاف صفحة أعدها باللغة الإنكليزية الاستشاري رفيق الخوري وشركاه.
يدخل الوزراء إلى جلسة اليوم ليحسموا ملفاً بمئات ملايين الدولارات وعقود إدارة ملف النفايات المنزلية الصلبة لسبع سنوات مقبلة، على وقع مشهد بات شديد الوضوح: نفايات أكثر من بلدية ستبقى في الطرقات بدءاً من كانون الثاني الجاري، وعلى كل بلدية أن تتدبر أمر نفاياتها بطريقة ارتجالية.
هل سيحصل فعلاً هذا السيناريو؟ وهل سيتراجع النائب جنبلاط عن تهديده إذا ما أقر مجلس الوزراء الخطة المقترحة وقبل باقتراح الوزير المشنوق بإطلاق المناقصات التي أعدها مجلس الإنماء والإعمار دون أن تناقش في مجلس الوزراء؟
تبين من أجواء جلسة مجلس الوزراء السابقة التي عقدت أواخر الشهر الماضي، أن جميع الأفرقاء السياسيين قد أدلوا بدلوهم في الملف وساجلوا في العديد من النقاط، وكان الأكثر حدة في النقاش وزراء حزب الكتائب الذين حملوا إلى الجلسة قراراً واضحاً من قيادة الحزب برفض التصويت على الخطة المقترحة. عندها طلب الرئيس تمام سلام مراجعة الرئيس أمين الجميّل في الموضوع للحصول على موافقته على التصويت، لكن وزراء الكتائب عادوا إلى الجلسة بعد الاتصال ببكفيا، حاملين جواباً واضحاً بالتصويت سلباً على القرار، على عكس بقية القوى السياسية التي تراجعت عن ملاحظاتها وأعلنت موافقتها على التصويت على الخطة المقترحة. انتهت الجلسة إلى ما انتهت إليه: لافتات "الاشتراكي" رفعت في الطرقات، وشهدت القرى المحيطة بالمطمر حالة تعبئة وتزخيم تمهيداً لإقامة اعتصام مفتوح أمام مدخل مطمر الناعمة – عين درافيل في كانون الثاني الجاري.
بدوره أقدم حزب الكتائب على تظهير اعتراضه على الخطة بتسليم الوزيرين ألان حكيم وسجعان القزي كتاباً إلى الوزير المشنوق، الاثنين الماضي، يفند ملاحظات الحزب على الخطة. أبرز هذه الملاحظات تتعلق بتقسيم المناطق الخدماتية. يعيب "الكتائب" على الخطة أنها لا تعتمد التقسيمات الإدارية المعمول بها (النطاق البلدي أو القضاء أو المحافظة) في توزيع مناطق إدارة النفايات في بيروت وجبل لبنان. وتتجاهل الخطة أيضاً صلاحية البلديات المكرّسة قانوناً في مجال كنس النفايات وجمعها ونقلها، علماً بأن تمويل إدارة النفايات الصلبة تقتطعه وزارة المال من الصندوق البلدي المستقل، بحسب كتاب حزب الكتائب إلى وزير البيئة.
من المعلوم أن الاقتراح الأخير الذي قدمه الوزير المشنوق يقسم المناطق الخدماتية على النحو الآتي: المنطقة (أ) وتضم أقضية الشوف وعاليه وبعبدا، وتنتج نحو طن يومياً. المنطقة (ب) وتضم محافظة بيروت وقضاءي المتن وكسروان، وتنتج نحو طن يومياً. المنطقة (ج) وتضم محافظتي لبنان الشمالي وعكار، وتنتج نحو طن يومياً. وأضاف الاقتراح المنطقة (د) وتضم محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، والمنطقة (هـ) وتضم محافظتي البقاع والهرمل. وبناءً على هذا التقسيم، يقترح القرار الطلب من مجلس الإنماء والإعمار إطلاق المناقصات فوراً وفق دفتر الشروط المعدّ، وذلك بعد تعديله للأخذ بالاعتبار التوزيع الجديد وما يترتب عليه، على أن يكون ذلك على مراحل وحسب جاهزية دفاتر الشروط ودون عرض هذه الدفاتر على مجلس الوزراء.
بذلك سيكون على مجلس الإنماء والإعمار إطلاق عشر مناقصات خاصة لهذه المناطق: خمس مناقصات للكنس والجمع والنقل، وخمس مناقصات للفرز والمعالجة والطمر، على أن تكون الأولوية لبيروت وجبل لبنان والشمال (ست مناقصات) إلى حين استكمال ملفات الجنوب والبقاع، على أن يعطى كل عارض حق الاشتراك في مناقصة واحدة فقط.
بدوره ردّ المشنوق خطياً على ملاحظات "الكتائب" التي وقّعها وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، فرأى أن "التوزيع المقترح للمناطق الخدماتية هو الأنسب، لكونه يأخذ في الاعتبار الحجم الأمثل للمنطقة الخدماتية وملاءمة حجم الاستثمارات المطلوبة من المتعهد مع إمكانية استرداد الكلفة". وأضاف المشنوق: "لا تتجاهل الخطة صلاحيات البلديات وبإمكان أي بلدية أن تختار مسبقاً أن تكون أو لا تكون في نطاق العقد، وهذا الأمر متاح حالياً في العقود الموقعة مع مجموعة "افيردا"".
ملاحظة أخرى قدمها الكتائب تتعلق بعدم تحديد الخطة المقترحة لمواقع المعالجة (المطامر ومعامل التفكك الحراري) وتتركها للشركات المتعهّدة، ما يؤدّي تلقائياً إلى تعزيز موقع الشركات المدعومة من المرجعيات السياسية والمناطقية، ويعزز الخلط بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة. كذلك، تهمّش الخطة عملية الفرز من المصدر، علماً بأن هذا الإجراء هو التوجّه الأحدث عالمياً لإدارة النفايات الصلبة، ويعود بالأموال لمصلحة الدولة بدل الكلفة الباهظة التي تتحدّث عنها الخطة، ويحسّن نوعية التسبيخ الذي يعاني لبنان من رداءته اليوم.
رفض المشنوق في رده فرضية "الخلط بين المصالح العامة والخاصة"، مشيراً إلى أن الهدف كان إعطاء القطاع الخاص أكبر مروحة من الخيارات، سواء التقنية أو الجغرافية، وكل ذلك سيكون بإشراف وزارة البيئة! ورأى المشنوق أنه إذا جرى تطوير الفرز من المصدر، فإن ذلك لا يتعارض مع نصوص العقد مع المتعهد!
بدوره رأى حزب الكتائب أن التعديل المقترح على خطة إدارة النفايات الصلبة، يمعن في التعرّض لأصول إجراء المناقصات بحجة الوقت الداهم، علماً بأن المناقصات المراد إجراؤها تمتد مفاعيلها إلى 20 عاماً وتكلّف الخزينة أكثر من 4 مليارات دولار أميركي (وفق تقديرات وزارة البيئة). ويلخّص هذا الإمعان في: الطلب من مجلس الوزراء التخلّي عن حقّه الدستوري بالاطلاع على دفاتر شروط الكنس والجمع والنقل والمعالجة وإدخال التعديلات عليها. إطلاق مناقصتي مرحلة الكنس والجمع والنقل ومرحلة المعالجة دفعة واحدة وبمهلة محدودة جداً، ما يلغي المنافسة عملياً في المناقصة. يدمج مرحلتي المعالجة بالطمر والمعالجة بالتفكك الحراري بمناقصة واحدة، متجاهلاً دفتر الشروط الذي يعدّه الاستشاري Ramboll حول التفكك الحراري، ويعطي المتعهّدين الفائزين بمناقصة المعالجة بالمطامر حقاً مكتسباً بتنفيذ المعالجة بالتفكك الحراري، دون أن تكون لديهم بالضرورة الخبرة في ذلك. وتحدد دفاتر الشروط مواقع المعالجة الحالية أساساً للتسعير، ما سيرفع أسعار العروض المقدّمة كافة عن السعر الحقيقي الذي من المفترض أن يحسب على أساس مواقع معالجة متعددة في المناطق (اختلاف كلفة النقل).
تهديد جنبلاط بإغلاق المطمر مناورة سياسية أم قرار نهائي؟
لذلك، يجدر بالإدارة (سواء أكانت الدولة أم البلديات) تحديد مواقع المعالجة مسبقاً للتسعير على هذا الأساس، أو اعتماد سيناريوات يكون التسعير على أساسها، وإطلاق مناقصة المعالجة بالتزامن مع مناقصة الجمع.
كذلك، قدم الكتائب ملاحظات على دفاتر الشروط، أبرزها إعطاء شهر واحد للشركات لتقديم العروض في ملف كبير كهذا يحتاج إلى دراسة مفصّلة لخطط وطرق الكنس والجمع والنقل وكلفتها، من شأنه عدم تشجيع الشركات المهتمة على الدخول في المناقصة. وحصر مدة التلزيم بـ7 سنين للكنس والجمع والنقل يؤمّن بالكاد عائدات الاستثمار للشركات إن كانت الأرباح المحققة سنوياً منصفة للطرفين، ما يستدعي إطالة هذه المدة إلى 15 سنة لخفض الأسعار المقدّمة من قبل الشركات. كذلك إن تخصيص 40 نقطة فقط من أصل 100 لمعايير البيئة والتنظيم الداخلي للشركة في النتائج النهائية لفض العروض هو متدنٍّ نسبة إلى المعايير المعتمدة عادة لمثل هذه المناقصات، ما يستدعي رفعها، وخصوصاً لجهة المعايير البيئية.
وأضاف الكتاب: "لا تتضمّن دفاتر الشروط أية إشارة إلى إمكان اعتماد الفرز في مرحلة الجمع، وإعطاء حوافز للشركات التي تشجّع هذه الآلية. لذلك، من المستحسن أن تتضمّن دفاتر الشروط إعطاء علامات إضافية للشركات التي ستعتمد الفرز في مرحلة الجمع، تخفيفاً لكلفة معالجة النفايات لاحقاً وتشجيعاً للمواطنين من أجل الفرز من المصدر. كذلك إن اعتماد التأهيل على دورتين (دورة تقنية ودورة مالية) للشركات فيه إجحاف بتلك التي لديها كفاءة تقنية أعلى، إذ تساوي دفاتر الشروط في الدورة الثانية الشركات الحاصلة على 75/100 في الكفاءة التقنية (معدّل النجاح) مع الشركات الحاصلة على 100/100.
بدلاً من ذلك، يمكن اجتراح معادلة مركّبة تجمع العاملين معاً وفق نسبة 60% لعامل الأسعار و40% للعامل التقني. إضافة إلى أن إعطاء مجلس الإنماء والإعمار صلاحية استنسابية في تقرير ما إذا كان السعر المعطى من قبل الشركات واقعياً أو لا، يطيح مبدأ المناقصة من أساسه، ما يستدعي إزالة هذا البند كلياً".