ما يجري في الاونة الاخيرة من اشكاليات ومنازعات ومنافسات غير شريفة في مدينة طرابلس لا يبشر بالخير مطلع العام الجديد خاصة ان هذه الاشكاليات في خلفياتها هي انعكاسات للانقسام السياسي في طرابلس وترجمة ميدانية لحجم التنافس في كسب الازقة والشوارع والزواريب.
يشير مصدر طرابلسي ان ما يدعو للاسف هو ما نشهده لدى بعض نواب وقيادات طرابلس التسابق في كسب ود «الشبيحة »بدعم مشاريعهم الخاصة التي غالبا تكون بابا من ابواب الابتزاز بدلا من التنافس على خدمة المدينة ببشرها وحجرها والنهوض بها من كبوتها التي كانوا احد اسبابها.
في التفاصيل التي توفرت للديار ان بعض التجار والمستثمرين نجحوا في احتكار سوق مولدات الكهرباء الخاصة فوضعوا خارطة لشوارع طرابلس وجرى تقسيم نفوذهم كل ضمن نطاقه، بحيث يقوم كل تاجر بوضع مولد كهربائي ضخم في المقاطعة التي نالها خلال التقسيم، ووضع شروط تقضي بعدم المنافسة من اي جهة، حتى بات المواطن يرزح تحت رحمة هؤلاء ويخضع لابتزازهم متى ارادوا رفع تسعيرة فاتورة الكهرباء في ظل غياب التيار الكهربائي التابع للدولة اللبنانية.
منذ فترة ظهرت حالة اعتراضية شعبية واسعة بين المواطنين من حالة الاحتكار التي ترغمهم في اكثر الاحيان على دفع مبلغ المائة دولار شهريا كلفة خمسة امبير وفي حال زاد الطلب على كمية الامبير فان السعر يتضاعف دون رحمة او شفقة من اصحاب المولدات، وعندما ارتفعت الصرخة بين الناس خصوصا وسط الحالات الشعبية الذين اضطر معظمهم الى عقد تسويات مع جيرانهم والاتفاق على دفع الفاتورة بالتساوي ليتسنى لهم انارة منزلهم ليلا اسوة بالشعوب المتحضرة.
ما جرى مؤخرا ان اهالي ابي سمراء والاحياء الشعبية فوجئوا باعلانات تكسو حيطان شوارعهم تتضمن «بشرى سارة الى اهالي المنطقة، اشتراك الفرحة، لا احتقار بعد اليوم، خدمة 24/24، جربونا نحو الافضل والخدمة الاسرع، 3 امبير؟؟؟؟؟ ل.ل. و5 امبير بـ 75 الف ليرة». هذا الاعلان اشعل النار في نفوس اصحاب المولدات الذين يحتكرون السوق لاعوام، فعمدوا على مواجهة اصحاب المشروع المنافس لهم بمنعهم من تنفيذ مشروعهم وذلك بالضغط عليهم وتهديدهم ففوجئوا بمنافسهم الذي يملك نفس نقاط قوتهم الامر الذي ادى الى حالة من التوتر في المنطقة.
وتكشف المصادر عن ان قرارا من احدى الشخصيات الطرابلسية صدر بدعم اصحاب المولدات المنافسة، وان هذه المنافسة ليست لكسر الاحتكار انما للتقرب من الفئات الشعبية وكسب ودهم عبر ازلامه الذين يتولون تركيب مولدات جديدة. وكشفت المصادر ايضا ان اصحاب المولدات الجدد ليسوا تجارا او مستثمرين بل هم موظفون في المكتب الذي انشىء حديثا تحت عنوان مكتب خدماتي للمواطنين»وان ما يجري مؤخرا هو استكمال لخطة هذه الشخصية النافذة بعد نجاحه في مدينة الميناء وشوارع التل والثقافة وعزمي والمعرض والضم والفرز باختراقها عبر تركيب مولدات كهرباء كما عقد اصحابها اتفاقا عرفيا مع اصحاب المولدات القديمة تقضي بتحديد تسعيرة الامبير وعدم المزايدة على بعضهم.
وكشفت المصادر ايضا عن ان حالة التوتر التي سادت منطقة ابي سمراء جراء تركيب مولدات جديدة باشراف الشخصية النافذة قام وفد من اصحاب المولدات القديمة بزيارة الوزير اشرف ريفي وطلبوا اليه العمل على الغاء فكرة اشتراك المولدات الجديدة لتجنيب المنطقة صراعات بين اهلها الجميع هم في غنى عنها، فوعدهم ريفي خيرا.
في ظل هذا الواقع تفاقم الاحتقان الشعبي بين مؤيدي هذا التيار السياسي من جهة والتيار السياسي الاخر من جهة ثانية بحيث ارتفع منسوب الغطاء السياسي للمحاسيب باعتبار ان المولدات هي مدخل الى العائلات في الاحياء الشعبية سواء بتشغيل الشباب العاطل عن العمل وتحويله الى عنصر احتياط امني وعسكري في الازمات او تشكيل شبكة عنكبوتية من خلال العمل في هذا المشروع لصالح هذا التيار او ذاك بمعنى ان المشروع بات مجرد غطاء - هو حاجة للناس - لكنه يؤمن التواصل مع شرائح واسعة من المواطنين.
حتى الساعة تؤكد المصادر ان مشروع المولدات الخاصة يجري على قدم وساق وان هناك محاولات تجري لابعاد الكأس المر عن المنطقة حتى لو اضطر التجار الجدد للالتزام بتسعيرة اصحاب المولدات القديمة، لكن الهدف هو مواجهة تيار سياسي منافس بارباكه من خلال ارباك انصاره ومحاسيبه والتأثير على مداخيلهم وبالتالي السعي لاحتلال اماكنهم بحيث يتم الامساك بمفاصل طرابلس الاقتصادية والاجتماعية والامنية لتعود مدينة اللون الواحد والمزاج الواحد.
اينما اتجهت في احياء طرابلس لا تجد من حديث سوى «تنافس اصحاب الولدات الكهربائية » وان هذا التنافس شكل من اشكال الصراع السياسي المحتدم بين تيار المستقبل وتيار الرئيس ميقاتي وبات لكل منطقة وحي «مولدها» السياسي ورمزيته فهنا «مولد»رفعت عليه صور الرئيس الحريري واللواء ريفي والعلم الازرق، وهناك «مولد»رفعت عليه صور ميقاتي ... وبين حين وآخر اشكاليات ورشقات رصاص تنتهي بملاحقة الجيش اللبناني حتى باتت هذه الاشكاليات عنوان المرحلة التي تنذر بتفاقمها مما يؤدي الى اشكاليات اوسع قد تفجر الوضع الامني من جديد بين التيارين السياسيين خاصة ان تيار المستقبل يقول المصدر الطرابلسي يعمل منذ مدة لاستنهاض الشارع الطرابلسي واستعادته الى حضنه فيما بات الرئيس ميقاتي ممسكا بشرائح شعبية اوسع خاصة في الاحياء الشعبية التي اعتبرت ان «المستقبل» تخلى عنها يوم كانت بحاجة اليه.
يقول احدهم ان القضية ليست قضية مولدات كهربائية (رمانة) بل هي قضية قلوب ملآنة ...وجدت في المولدات مبررا للنيل من الآخر فانعكس توترات وارباكات في هذا الحي احيانا وفي ذلك الحي احيانا اخرى ... والمواطن دائما وحده يدفع الثمن.