ما كانت تخشاه الدول الأوروبية، قبل أشهر قليلة، أصبح أمراً واقعاً مع بداية العام الجديد، الإرهاب في عقر دارها، ولم تنجح كل محاولات محاربته بعيداً عن أراضيها في تحقيق الهدف المطلوب.
كل المؤشرات اليوم تؤكد بأن ما حصل حتى الآن ليس إلا البداية، الهجوم الإرهابي في باريس، الذي إستهدف صحيفة "شارلي إيبدو"، لن يكون نهاية المطاف، لأن مؤشرات العنف والكراهية في أوروبا تؤكد بأن المقبل أخطر من ذلك بكثير، والتداعيات التي تلت الهجوم من خلال إستهداف بعض المساجد تدعم هذا الرأي.
من يتابع الأوضاع بشكل دقيق، في البلدان الأوروبية، يلاحظ أن هناك شرخاً إجتماعياً بدأ يتكون بشكل ملحوظ، فظاهرة "الإسلاموفوبيا" طغت على المجتمعات المتعددة في الأشهر الأخيرة، وإن كانت ترتفع في بعضها وتنخفض في أخرى، لكن الأكيد أن الأوضاع هناك لا تسير على خير ما يرام.
فاليوم بالتحديد، لم يعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يستطيع دعوة مسيحيي الشرق للهجرة إلى بلاده، كما فعل عند غزوة الموصل من قبل تنظيم "داعش"، فباريس لم تعد آمنة كما كانت في السابق، والإرهاب قادر على العبث فيها، حتى ولو كان ذلك بدرجات أقل عما يحصل في الشرق الأوسط، لكن الأخطر من كل ذلك هو السؤال عمن يتحمل مسؤولية كل ذلك؟
لا أحد في العالم يستطيع أن يعطي الجواب الحاسم عن هذا السؤال، فهل الدول الغربية، التي سهلت مغادرة الآلاف من مواطنيها إلى سوريا والعراق، من أجل المشاركة في القتال الدائر هناك، مسؤولة عن هذا العنف أم أنها لم تكن تدرك خطورة هذا الأمر؟ ولكن ماذا عن الفرضيات، التي طرحت في الأشهر السابقة، عن أن هذه الدول لم تكن تريد في أي لحظة إنهاء الصراعات، التي إندلعت في السنوات الأخيرة، في الشرق بهدف إبقاء هؤلاء المتطرفين بعيداً عن مواطنيها؟ وماذا عن دورها أيضاً في صنع الجماعات الإرهابية وتقديم الدعم لها في سياق سعيها إلى تحقيق مشاريعها الإستعمارية؟
من ناحية أخرى، ما هو دور المسلمين والمرجعيات الإسلامية في هذا الموضوع، لا سيما أنهم يراقبون أكبر حملة تشويه لدينهم بأدوات "إسلامية"، وهل تكون الرسوم المسيئة للنبي محمد أكثر ضرراً عليهم من عمليات القتل والذبح التي تحصل؟
الأكيد هو أنهم لم يقوموا بما هو مطلوب منهم حتى الساعة، حتى لو كان أغلبهم يعتبرون أن الغرب هو المسؤول الأول والأخير عن رعاية الظواهر الإرهابية، فهم لم يبادروا إلى تعميم الصورة الحقيقة لدينهم بشكل كاف، ولم يحاولوا التوجه إلى الشباب المغرر بهم من أجل توعيتهم، بل راهنوا على الغرب من أجل إرسال قواته العسكرية لقتالهم، مع العلم أن هذا الإسلوب لا ينفع، فهو في التجارب السابقة لم يقم إلا بزيادة الكراهية، ولم ينجح إلا في تقديم المزيد من "المتعاطفين" مع الجماعات الإرهابية، بسبب الذاكرة التي تحفظها شعوب المنطقة لدور الدول الغربية في كل نكساتها، بدءاً من دعمها المستمر لاسرائيل وصولاً إلى حمايتها الأنظمة الفاسدة التي تسرق موارد تلك الشعوب.
في حقيقة الأمر، الكل يتحمل المسؤولية، والخطر الذي بات يهدد العالم بأسره قد يكون فرصة من أجل البحث عن الحلول السلمية الحقيقة، في حال كانت هناك رغبة حقيقة في ذلك، وقد يكون الكارثة التي تسقط بسببها الكثير من الدماء، فالموضوع يتوقف على القرارات التي ستتخذ في الأيام القليلة المقبلة على الصعيد العالمي، وهي حكماً لا يمكن أن تكون عسكرية فقط، بل يجب أن تشمل مختلف جوانب المشكلة، وأولها البحث عن المصدر الفكري الأساسي الذي يعزز الحركات المتطرفة من أجل القضاء عليه، ولا يمكن أن تكون أيضاً عبارة عن تحركات فردية لا تعكس إلا مصالح بعض القوى على حساب الأخرى، كما هو حاصل في التحالف الدولي المشكل حالياً.
في المحصلة، هناك بقعة ضوء وحيدة في ظل هذا العنف المتزايد بشكل كبير في العالم، فهل يتم إستغلالها قبل فوات الآوان، أم أن العام 2015 سيكون عام تعميم الإرهاب على كل الشعوب؟