على الرغم من حجم الجرائم الإرهابية الكبيرة التي حصلت في المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، شكل الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية نقلة نوعية في النظر إلى هذه العمليات، التي كانت مبررة في بعض الأحيان من قبل البعض في الشرق الأوسط، لا سيما في كل من سوريا والعراق، نظراً إلى الموقف السياسي من الأحداث الدائرة هناك، حيث يسيطر الإنقسام على تصنيف ما يحصل.
فجأة، أصبح مطلوباً من العرب والمسلمين تبرير مواقفهم بشكل علني، مع الإرهاب أم ضده، فتداعيات ما حصل في باريس ستكون كارثية عليهم، لا سيما على المقيمين منهم في الدول الغربية، خصوصاً أن الإدانات تسقط من كل مكان، وبالتالي عليهم سريعاً أن يخرجوا بالتوضيحات التي تدحض علاقتهم بمثل هذه الأفعال.
البعض في البداية كان مرحّباً بما حصل، لا سيما أنّ العملية جاءت إنتقامية من صحيفة نشرت صوراً مسيئة للنبي محمد من وجهة نظره، في حين فضّل القسم الأكبر الصمت لبعض الوقت، أما المدينون فكانوا أقلية يرون في ما حصل إعتداءً على الإنسانية، لا سيما أنّ الضحايا رسامون وصحافيون، لكن مع مرور الوقت بدأت تتبدل الأوضاع، حيث دانت أغلب المرجعيات الإسلامية والعربية العملية الإجرامية، فكان ضروريًا أن ترتفع بشكل كبير فئة الرافضين لها من العامة، في حين كانت مواقع التواصل الإجتماعي ساحة المنازعة الأبرز بين هؤلاء، لا سيما مؤيدي الجماعات المتطرّفة منهم.
بعد لحظات قليلة على ورود الأنباء عن الجريمة، بدأ مؤيدو الجماعات التكفيرية بترويج التبريرات "الشرعية" لها، متجاهلين الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ترفض مثل هذه الأعمال، وعمدوا إلى نشرها على نطاق واسع من أجل كسب أكبر قدر من التعاطف معهم.
وفي هذا السياق، كان من أبرز "الهاشتاغات" التي إنتشرت، ذلك الذي يشير إلى أن "فرنسا تشتعل"، بالإضافة لغيره من "فرنسا تحت القصف" وصولاً إلى "هجوم مجلة شارلي إيبدو يمثلني" و"هجوم فرنسا ثأراً لرسول الله" و"أنا مسلم حادث شارلي إيبدو يمثلني"، ناهيك عن ذلك الذي يحمل شعار منفذي العملية "إنتقمنا للرسول"، أما في الجهة المقابلة فكان الأبرز "الإسلام بريء من" و"شارلي إيبدو"، بالإضافة إلى الإنضمام إلى أخرى تعتمد اللغة الفرنسية كـ"je suis Charlie".
وفي حين كان مؤيدو هذه الجماعات يستغلون العالم الإفتراضي، في كل مرة، من أجل بث سمومهم، من دون أن تكون هناك حركة مضادة فاعلة، تبدلت الأوضاع بعد جريمة باريس بشكل لافت، نظراً إلى أن العملية حصدت بالدرجة الأولى إهتمام الرأي العام العالمي على نحو كبير، لا سيما أن الخوف من تكرار تداعيات ما حصل بعد هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الأميركية كان هو المسيطر، حيث تعرّض العرب والمسلمون بعدها إلى حملة مضايقات كبيرة وضعتهم جميعاً موضع شك في توجهاتهم، من قبل الأجهزة الأمنية الغربية، حتى يثبت العكس.
ويرى الكثير من المتابعين أنّ نتائج هذه العملية على الأوضاع في الشرق الأوسط ستكون مباشرة، نظراً إلى أنّ القوى العالمية ستجد نفسها مضطرة إلى الدفع أكثر نحو معالجة الأوضاع في المنطقة، بعد أن وصل الخطر إلى مواطنيها، وبالتالي هي لن تكون قادرة على تأجيل الحلول لأن ذلك لا يصبّ في مصلحتها أولاً، من هنا كان الإهتمام الكبير من قبل المتابعين العرب لها.
وفي الوقت الذي كانت أبرز التحركات الإلكترونية الرافضة لمثل هذه الأفعال تأتي من المقيمين في الدول الغربية، لا سيما في البلدان الأوروبية، كان التعليق الأبرز هو ذلك الذي جاء عبر حساب، على موقع "تويتر"، يحمل إسم "أبو غالب الشامي"، الذي دعا "كل الإخوة الذين يجيدون الفرنسية إلى الهجوم على هاشتغات الفرنسيين وتحريض المهاجرين العرب أصحاب عقيدة الولاء والبراء"، ما يعكس أهمية المساحة الإفتراضية عند هذه الجماعات، والتي كانت من أهم أدوات "التجنيد" بالنسبة لها في السنوات الأخيرة.
في المحصلة، مواقع التواصل الإجتماعي اليوم من أهم ساحات المعركة، في مواجهة الجماعات الإرهابية، أو المتعاطفين معها بشكل أدق، وبالتالي من الضروري التنبه لها، من أجل منعها من إستغلالها من أجل التوسع في عملية نشر أفكارها أكثر.