ما ان دوى الانفجار في​جبل محسن​ مساء السبت الفائت، حتى سارع تنظيم "داعش" إلى تبنيه. إلتبس الامر على الكثيرين حول كيفية تبني "داعش" لانفجار حصل في طرابلس ذات الغالبية السنية وهي الطائفة نفسها التي يتبجح "داعش" في حمايتها، وإن حصل تحديدًا في جبل محسن الذي تسكنه غالبية من الطائفة العلوية. وبعد دقائق معدودة، سارعت "​جبهة النصرة​" الى تبني الاعتداء الارهابي ايضاً.

الصدمة بحصول التفجير ومشاهد ضحايا الارهاب كانت كبيرة، وأعادت إلى الذاكرة مرحلة ليست ببعيدة عانى فيها لبنان من التفجيرات المتنقلة التي حصدت مواطنيه. ولكن، في ظل ما تأمّن من معطيات ومعلومات، فإن التدهور الامني لا يزال بعيداً، وما شهدته طرابلس في الساعات الاخيرة لن يعيد مشاهد جولات التقاتل المتتالية التي فتحت الجراح لفترة طويلة.

وفي المشهد السياسي، كان غريباً بالفعل تبنّي "جبهة النصرة" للتفجير، في وقت قال فيه وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ ان الادلة تشير الى تورط "داعش" في المسألة(1). وبقي السؤال حول السبب الذي دفع "النصرة" الى تبني العملية الانتحارية وكيف ستستفيد منها.

يمكن الاجابة على السؤال اذا ما اخذنا بالاعتبار العوامل التالية:

1- في ظل الحوار الذي انطلق بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" والذي يعتمد كركن اساسي له "تنفيس الاحتقان" السني- الشيعي، شعرت المنظمات الارهابية وفي مقدمها "داعش" و"النصرة" أنهما خسرا ورقة اساسية يستعملانها كورقة "جوكر" عندما تدعو الحاجة. فالخلاف السني- الشيعي يعتبر دوماً ورقة رابحة لبث السموم وشحن النفوس كما حصل في طرابلس سابقاً. وعليه، كان لا بد من توجيه رسالة تعبّر عن سخط هذه المجموعات مما يحصل، وفي حين توقع الجميع أن تكون الرسالة في الضاحية الجنوبية، وصلت الرسالة عبر جبل محسن، ربما بسبب التدابير المشددة المتخذة في الضاحية.

2- حاولت "النصرة" أن تقول عبر تبني هذا الاعتداء، أنّها لا تزال حية وقلبها لا يزال ينبض، وبالتالي فهي لم تمت بعد. هذا الاعلان أتى في ظلّ تنامي الكلام عن "داعش"، وبعد ما يُسمّى "توحيد البندقية" في القلمون وانضمام مجموعات ارهابية إلى "داعش" إما عبر الترغيب أو الترهيب.

وأرادت "النصرة" أن تثبت أنها لا تزال حاضرة، ويجب ان يحسب لها الحساب، فالتنسيق الذي كان قائماً مع "داعش" أخذ منحى آخر بعد أن فرض الاخير سياسة "التطويع" التي لم توافق عليها "النصرة". وقد سرّبت أنباء عن "تمرد" ابو مالك التلي على "داعش" وامكان حصول مواجهات مباشرة بينهما.

3- لا تزال "النصرة" ترغب في ان تكون طرفاً في المفاوضات مع لبنان بشأن العسكريين المخطوفين، وهي لا تدع أيّ فرصة تفوتها للتذكير بأنها تملك طابعاً انسانياً (سمحت لبعض العائلات بلقاء ابنائها من العسكريين المخطوفين)، والقول انها ترغب في اطلاق سراح من تخطفهم مخافة أن يقعوا في أيدي "داعش" حيث سيصبح مصيرهم مجهولاً.

كما أنّ اختيار جبل محسن هو رغبة من "النصرة" للتدليل على أنّ أنصارها في طرابلس لا يزالون على تواصل معها رغم خروج مسؤوليها من المدينة، وانه يمكنها في أيّ وقت استعمالهم لاحداث البلبلة وزعزعة الامن، وربما محاولة احداث فتنة لقيام جولات جديدة من القتال. ولكن حصول جولات مواجهة جديدة، لا يزال أمراً بعيد المنال في ظل التدابير التي اتخذها الجيش اللبناني منذ حسمه الاوضاع في عاصمة الشمال.

باختصار، يمكن القول إنّ تبنّي "النصرة" لجريمة طرابلس هو بمثابة نداء استغاثة، والخوف هو أن تتكاثر هذه "النداءات" كلما زاد الخطر عليها. فهل سينتهي تواجد "النصرة" في لبنان على أيدي المنظمات الارهابية الاخرى أم ستقوم بمحاولات مجنونة لتبقى على قيد الحياة، ضمن ضريبة سيدفعها اللبناني أولاً وأخيرًا؟

(1)بتاريخ 10/1/2015، زار وزير الداخلية نهاد المشنوق طرابلس وعاين مكان الجريمة الارهابية، وأكد أنّ "المعلومات الأولية تبين ضلوع تنظيم داعش". وأشار إلى أنّ الانتحاريين كانا على علاقة بالإرهابي منذر الحسن (الذي قتل على يد القوات الامنية اللبنانية في مواجهة سابقة حصلت في فندق "دو روي").