في مقالنا السابق، وهنا في الزاوية ذاتها، من صحيفة «البناء» مشكورة، نشرنا مقالاً تحت عنوان: «الدور المصري الجديد في سورية… والخطأ الاستراتيجي الفادح!»، حيث تحدّثنا بخجل شديد عن أنّ هناك دوراً مصريّاً، تلعبه السلطات المصرية، في سبيل تحسين شروط حضورها على المستوى الإقليمي، وتوقفنا عند الدور المطلوب من مصر خليجياً، وأنّها لم تكن قادرة على القيام بدور حرّ يخدم الشعب السوري، أو يخدم استقرار سورية، كونها لم تمتلك حتى اللحظة القدرة والإرادة الكافيتين لقيامها بهذا الدور، باعتبار أنّ هناك حضوراً خليجيّاً كبيراً في حيثيات القرار المصري من جهة، ومن جهة أخرى أنّ القيادة المصرية غير قادرة على استشراف حقيقة الحاصل على مستوى المنطقة، وهي لم تزل حتى اللحظة غير قادرة على إنتاج موقف خاص بها بعيداً من تشغيل خارجي لها..
لم أكن أودّ أن أقول مثل هذا الكلام، والذي كنت قد كرسّته من خلال أكثر من إطلالة تلفزيونية، غير أنّ ظروفاً موضوعية فرضت ذاتها كي نقدم هذه القراءة، ونحذّر مما تقوم به السلطة المصرية، خصوصاً أنّها قدّمت نفسها على أنّها وسيط «مبادرة روسية»، وكثيرون هم الذين بنوا على هذا «الدور»، أو دعونا نقول هذا «الموقف» الجديد، حيث بدا واضحاً أنّ هناك «دوراً» جديداً، أو «موقفاً» جديداً، يتجلّى في جملة دعوات ومحاولات جذب وشدّ قامت من خلالها السلطات المصرية، باتجاه تجميع بعض الأسماء السورية التي كانت مستعدّة طيلة فترة العدوان على سورية كأدوات استعمال في سياق العدوان عليها، والحقيقة أنّنا بيّنا قبل الآخرين، وفي مقالنا المشار إليه آنفاً، أنّ القيادة المصرية كانت تريد أن تعيد إنتاج «المعارضة السورية»، من أجل استعمالها من جديد في وجه لحظة سياسية جديدة، وليس كما قدّمها البعض على أنّها تريد أن تلعب دوراً موحّداً وإيجابياً لجهة «حلّ سياسي» كان يحكم اللحظة السياسية الصاعدة.
لم تكن القيادة المصرية على مسافة واحدة من جملة «مكونات سورية»، مكونات افتراضية وحقيقية، كما أنّها حاولت وعلى عجل بعيداً من السياق الروسي أن تذهب وحيدة ببعض «الأسماء المعارِضة»، ومهّدت لها سبيلاً إلى توافقات أو اتفاقات، منها معلن والآخر ليس كذلك، لكن المؤشر المهم الذي فضح الموقف والدور المصري أنّ القيادة المصرية لم تتواصل أو تنسّق مع القيادة السورية، وأنّها لم تبنِ معها جسور توافقات أو حتى لم تضعها بصورة ما كانت تقوم به، من هنا كان الدور المصري فاقعاً، لجهة عناوين ليس لها علاقة بدور نظيف يخدم تطلعات الشعب السوري فعلاً!
نعتقد أنّ الأيام القليلة الماضية أكدت ما كنّا قد ذهبنا له، من خلال جملة ملاحظات على «المعارضة» ذاتها، أو مواقف تلك «المعارضات»، فبعد الموافقات التي كانت تأتي ساخنة ومتلهفة جداً على دعوة «موسكو»، وبعد جملة مواقف تغنى بها أصحابها على أنّهم كانوا وراء هذه الدعوة لهذا الحوار، وبعد أن قام بعض آخر بتشكيلات سياسية جديدة يحضّر نفسه من خلالها كي يكون موجوداً في «موسكو»، بعد ذلك كلّه، وغيره الكثير أيضاً، نتفاجأ بالمواقف الجديدة التي بدأت تأتي سريعاً وبشكل ينمّ عن «تعليمة» ما جاءت في هذا السياق، رفضاً لهذه «الدعوة»، حتى وصل بالبعض الذي اعتبرها محطة أساسية في سياق إيقاف نزيف الدم السوري إلى اعتبارها أنّها لا تمثل أدنى إضافة مناسبة لتضحيات السوريين، وأنّها محطة غير قادرة على تقديم أدنى إضافة ذات قيمة تليق بتلك التضحيات!
هناك شيء تغيّر في الأفق، كما أنّ هناك متحولات سريعة جداً حالت دون اكتمال المشهد، لقد انقلبت الصورة كليّاً، حتى أنّ الأمر قد وصل ببعض من يطلقون على أنفسهم «معارضة داخل» إلى القول بأنهم يرفضون تلك الدعوة، بعد أن تباكوا عليها، وأنها دعوة غير كافية، ولن توفّر مناخ التفاوض على «السلطة»، معتبراً أنّ «موسكو» ليست محطة كافية أو آمنة لهذا «التفاوض» على تقاسم «السلطة»!
أعتقد أنّ القيادة المصرية، مشغّلة من قبل أطراف إقليمية، ساهمت في توفير هذا الغطاء الجديد، من أجل استعمالها هذه «المعارضات» بطريقتها الخاصة في ظل ملفات ترى في نفسها القدرة على الولوج إليها، وبالتالي استطاعت توفير بيئة عازلة لهذه «المعارضات» منعت وصولها أو موافقتها على حضور «موسكو» بالطريقة التي أرادتها القيادة الروسية، ظنّا منها أنّها قادرة على الاستثمار السياسي في ملف «الحلّ السياسي» بالطريقة التي تمنحها مساحة حضور وفاعلية مؤثرة!
لعل الحضور المصري الجديد في «المساهمة» السلبية لجهة هذا «الحلّ السياسي» أغرى كثيراً الطرف التركي الذي يستثمر بصيغتين اثنتين وليس بصيغة سياسية واحدة، فالتركي وآل سعود ومشيخة قطر كانوا يستثمرون في الملف السوري، عسكريّاً وسياسيّاً، في حين أنّ المصري تقدم كي يبني منصّات استثمار سياسية فقط، وبالتالي فإن الصراع الجديد بدا واضحاً على أداة الاستثمار السياسية، حين تقدم التركي «خالد الخوجة» كي يكون على رأس ما سمّي «بالائتلاف»، ساحباً من يد القيادة المصرية عنصراً أساسيّاً من عناصر كانت تعوّل عليها تلك القيادة كثيراً في سبيل استغلالها لجهة الدور الذي تحاول أن تؤديه!
لعل القيادة المصرية استطاعت أن تفلح في تعطيل «موسكو»، من خلال البيئة التي وفّرتها لما سمّي «بالمعارضة السورية»، بفعل حالة استقطاب نحو بيئة افتراضية جديدة استعملت فيها هذه الجهات السورية، لكنّنا ندرك جيداً أنّ قدرة مصر على حضورها في الملف السوري لا يتعدى معيار قدرتها على استعمال «معارضة» يمكنها أن توفّر لها هذا الحضور، ونعتقد أنّها، أي مصر، غير قادرة على الحضور الحقيقي، أو حتى توفير بيئة حقيقية فاعلة، باعتبار أنّ تلك «المعارضة» لم تتعدّ إمكان كونها مادة استعمال ليس إلا، وهي مادة مستنفدة القدرة على التأثير، باعتبار أنّ حسابها القابل للصرف سياسياً واقتصادياً وشعبياً يكاد يكون معدوماً!
لا يمكن للدور المصري أن يتعدى أيّ دور إقليمي لم يساهم في توفير شروط بيئة خروج آمنة للسوريين، كما أنّ هذا الحضور المصري في الملف السوري لن يمنح الشقيقة الكبرى إمكان الفعل والحضور الإيجابي، لجهة دور تتطلع له على مستوى المنطقة، إلا أنه سوف يسجّل لها على أنها ساهمت في تعطيل إمكان إسقاط الذريعة الرئيسية للعدوان على الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة!