لا تقيم أحزاب فريق 14 آذار دورا لأمانتها العامة. الأخيرة أشبه ما تكون بالزوج المخدوع! حوارات ثنائية واتفاقات مع الخصوم من دون الوقوف على خاطر فارس سعيد أو أي من أعضاء «الأمانة». يُجمع السياسيون على أن لا دور لها، فيما يرفض روّاد مقرها في الأشرفية هذا «الادعاء». يؤكد «ثوار الأرز» أن أحداث فرنسا وطرابلس الاخيرة ستكون الباب الذي سيعودون منه!

تجتمع الأمانة العامة لقوى 14 آذار كل أربعاء في مقرها في الأشرفية. تُصدر البيانات باسم كل مكوناتها، ولكن عند كل استحقاق يبقى منسق الأمانة العامة فارس سعيد و«مثقفو» الأمانة و«ناشطوها» وحيدين، فيما تبحث الأحزاب عن مصالحها. الحوارات الثنائية الأخيرة: تيار المستقبل ــــ التيار الوطني الحر، ثم حزب الله – تيار المستقبل، فالتيار الوطني الحر ـــ القوات اللبنانية، كلها تؤكد هذا الأمر، معيدة طرح السؤال الأساسي: ما الدور الباقي للأمانة العامة؟

نائب جبيل السابق يرفض الاعتراف بالفشل. بالنسبة اليه لا تزال «الأمانة هي المظلة». صور سعيد مع رموز «استقلال 05» تنتشر على حيطان مكتبه. اسمه بالصيني مذيلا بشعار الشيوعيين حاضرٌ أيضا، اضافة الى مقالة «مبروزة» نشرت في «الأخبار» وعنوانها «اهتمامات نووية للأمانة العامة لـ14 آذار». قبل الظهر يكون وحده في المكتب في انتظار توافد «رواد» المقر. أما مساعداه جوزف كرم وطوني حبيب، فيتابعان مهماتهما الادارية. تتصل «زميلته في الأمانة» ربى كبّارة لتسأله عن العمل الارهابي الأخير في طرابلس. يحلل الوضع مصوبا أفكارها، قبل أن يُذكرها: «Je suis Jabal Mohsen».

يُصرّ سعيد على أن دور أمانة 14 آذار في هذه المرحلة هو «اعادة طرح موضوع قتال حزب الله في سوريا. هذا النقاش يجب أن يبدأ بين مكونات فريقنا قبل أن يتخذ بعدا وطنيا». من الأولويات حاليا «العودة الى الأصول، أي الانسحاب من القتال الدائر في سوريا وتطبيق سياسة سحب الذرائع»، ولكن هذا لا يعني أن « المشكلة ستُحل عندئذٍ. على الاقل تنتفي الذريعة». يشمت سعيد من «الجبن السياسي» الذي مارسه المستقبل وحزب الله، «اتت أحداث طرابلس لتدمر سنة من محاولات إنشاء أحزمة أمان.

نحو وثيقة

جديدة وتفعيل النقاش حول قتال حزب الله في سوريا

الوضع الأمني يتجاوزهما. صرنا في غير محلّ». الأمانة العامة تستطيع ألا تتهم حزب الله، «ولكنّ هؤلاء الاستشهاديين هم الذين يتكلمون في كل مرة». أما الفريق المسيحي في البلد، فلا يقيم له سعيد وزناً. أعضاؤه محدودون لدرجة أن «همهم أن تكون جبيل أحلى. لا يؤثرون في السياسة».

ثقة «الرفيق»، كما يناديه البعض، في الحديث توحي وكأن للأمانة العامة دوراً سياسياً أو تأثيراً في الرأي العام. يعترض على هذا الكلام، «دورنا تفهّم الجميع. نحن مجموعة مؤتمنة على فكرة 14 آذار لا على تنظيماتها». هذه الأخيرة يقول سعيد إنها مستقلة، «ولم تخرج عن ثوابت فريقها». السخرية في الموضوع أن أبرز ركنين في هذا الفريق: المستقبل والقوات اللبنانية، باشرا الحوار مع خصميهما دون أن يقفا عند تحفظات منسق أمانتهما. يُبرر سعيد ذلك بوجود «منطلقات لدى كل حزب أدت الى الحوار. لا أناقش الآلية أو الدوافع، بل جدوى الحوار». النقاش هنا ليس من باب الانتقاد، «ولكن اذا كنا في موضوع الحوار فسنتجنب الحديث عن قتال حزب الله في سوريا، فما الجدوى؟ طرابلس قالت كلمتها: لا يوجد». أما على مستوى عون ــــ القوات «فيجب ألا ينحصر لقاؤهما بالاتفاق على قانون للانتخابات أو نائب في كسروان. يجب أن يتفقا على عدم تخريب لبنان». ينعى سعيد اللقاء قبل عقده لأن عون «ولا يمكن» أن ينتقل من مكان الى آخر، «بل إنه يدير ظهره لأحداث المنطقة مركزا وفريقه جهودهم على أن يصل هو الى الرئاسة».

يضع سعيد يده على صدره وهو يقول «على الصعيد الشخصي لم يقصر جعجع معي، فهو وضعني في أجواء التقارب قبل بدء التواصل بين الطرفين وخلاله». هي محاولة من جعجع «لإيجاد مساحة مشتركة مع عون». لا يعلم لماذا لم تتوسع الدائرة لتشمل جميع الاطراف، «نحن كأمانة نعد أنفسنا قوى وطنية وعلى هذا الصعيد لسنا مغيبين». يفتعل «الحكيم الوطني» الانفعال حين يريد أن ينتقد البطريركية المارونية. يلجأ الى الاعتداء على صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية والتضامن العالمي معها ليقول: «البلد ينهار وهو اختراعنا نحن الموارنة، معقول؟ معقول أن جريدة المستقبل تتضامن مع فرنسا فيما أن بكركي لم تقم قداسا على نية الصداقة الفرنسية ـــ اللبنانية؟ معقول أن (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس يشارك في تظاهرة التضامن في فرنسا ويُصبح صديقا للفرنسيين، والموارنة غير موجودين؟».

مع اقتراب ذكرى 14 شباط و«ثورة الأرز» أتت أحداث فرنسا وطرابلس لتكون «الطبق الاساسي» الذي سيستغله سعيد لمحاولة اعادة تعويم أمانته. يخفي ابتسامة حين يُفصح عن اعداده لـ «شغلة أريد أن أطرحها وآخذ رأي قيادات فريقنا بها». مهلا هي ليست وثيقة جديدة تُضاف الى سابقاتها، «قراءة سياسية انطلاقا من العمليتين الارهابيتين في فرنسا وطرابلس». يعتقد سعيد بأنه توجد «مناسبة امام اللبنانيين والمسيحيين لطرح أنفسهم أنهم اباء فكرة العيش المشترك بالممارسة لا بالقول فقط. وكيف أنهم من خلال المأساة يتمكنون من العودة الى السلطة».

عشية الذكرى العاشرة لـ 14 آذار تعيش الأمانة العامة حالة انكار للمستجدات السياسية. يقول أحد الناشطين فيها إن السؤال الذي يُطرح حاليا هو «ان كانت ما زالت تتمتع بنفس الزخم والدور اللذين انطلقت منهما؟». على الرغم من بياناتها الاسبوعية التي تنتقد الحوارات الثنائية وعمل الحكومة «هناك ارادة لعدم فرط عقدها لأن ذلك يعني انتهاء تجمع الآذاريين». ما زالت مكوناتها ترى «أنها الاطار الجامع للجميع»، ولكن لا شك أن «الأمانة مجمدة في انتظار أحداث أخرى ربما. لا وظيفة سياسية لها حاليا».