الصراع بين الأمة والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها من الأوروبيين يتخذ أشكالا ووسائل فيها من الدهاء والخبث لإبقاء هيمنتهم سائدة على الأمة دون أي مقاومة أو مواجهة، وجعلها خانعة ذليلة لإرادتهم وفق ما يرسمونه في دوائرهم الاستعمارية من مخططات لنهب ثرواتها وجعلها أسيرة خياراتهم ومصالحهم، فما حدث في باريس - شارلي إيبدو - لم يكن سوى ردود أفعال على هذه السياسات التي يتحمّس لها بعض الشباب المسلم دون أن يعي مخاطرها وما تتركه من آثار سلبية على الإسلام واعتداله، فالإرهاب هو صنيعة غربية محبوك بعناوين إسلامية لا تمتّ للإسلام وروحه السمحة بصلة، فالتشكيلات التي نشأت وترعرعت في أجهزة الاستخبارات الأميركية لا يمكن أن تكون مجاهدة في سبيل نصرة الرسول (عليه الصلاة والسلام) ورسالته، وهي أدوات تحاول استغلال المشاعر الإسلامية لدى الشباب المضطهد، وتحويلها إلى بؤر لتشويه الإسلام.
الإرهاب المنظّم الذي يقف على رأسه في منطقتنا الكيان الصهيوني لا يمكن أن يسهم في تحالف لمواجهة هذا الإرهاب، التظاهرة التي كان على رأسها الإرهابي بنيامين نتنياهو دليل حيّ على أن الإرهاب المنظم يلقى الرعاية والاحتضان من الدول الغربية، وأن شعاراتها في تقديس الحرية الإنسانية والحريات العامة ما هي إلا أكاذيب تحاول من خلالها خداع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ففرنسا هي التي حاكمت روجيه غارودي لأنه لم يعترف بمحرقة اليهود.. فأي حرية وأي مواجهة للإرهاب يتحدث عنها قادة فرنسا؟ هم يحاولون الآن عبر إبرازهم لدور لهم في الصراع مع الأمة استعادة شعبيتهم المنهارة، ومجتمعهم مشبع بثقافة غير إنسانية، فأطفال فلسطين وغزة وانتهاك المقدسات ونزع شعب من أرضه وطمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني لا تلقى لديهم آذانا صاغية أو مساحات لرأفة أو عطف إنساني على القيم الإنسانية التي ينتهجها بنيامين نتنياهو وقادة العدو؛ تماماً كما حدث سابقاً مع شعب الجزائر الذي دفع أكثر من مليون ونصف المليون شهيد في سبيل نيل استقلاله.
إننا في الوقت الذي لا نقرّ فيه الأعمال العنفية في مواجهة الرأي الآخر، نريد أن ندلّل على أن المجتمع الغربي هو الذي صنع الإرهاب، ويُسقى من نفس الكأس التي أذاقت مجتمعاتنا العربية مرارتها، فالأطفال السوريون الذين قضى منهم أكثر من عشرين طفلاً أثناء موجة الصقيع في لبنان هم برسم القوى التي ما زالت تدعم الإرهاب، وتمنع حلاً سياسياً في سورية يقي الشعب السوري من ويلات الحرب وآثارها المميتة، فالتظاهرة التي نظّمتها باريس ضد الإرهاب لن تمحي عار ممارسات الاضطهاد والقمع بحق المنطقة وشعبها، فالأجدى بقادة فرنسا إذا كانوا جادين في مواجهة الإرهاب وحماية مجتمعاتهم من آثاره أن يوقفوا دعمهم للإرهاب المتمثل بالمجموعات المسلحة والفكر التكفيري، وأن يجروا تغييراً أساسياً في سياساتهم تجاه المنطقة، ويقفوا في خندق واحد مع القوى العربية التي تواجه الإرهاب، وفي طليعتها القيادة السورية.