«باريس عاصمة العالم». هكذا قال الرئيس الفرنسي، وهذا الكلام صحيح بمقدار معيّن إذا كان المقصود به، هو التظاهرات، والمسيرات الشعبيّة التي تدفقت في شوارع العاصمة ومدن أخرى عدة، فرنسية وأوروبيّة وشملت بلداناً بعيدة.
فرنسا هي «دولة المقاومة ضد الإرهاب»!! هذا أيضاً كلام قاله فرنسوا هولاند… والكلام ليس صحيحاً بالمرّة، وهو مكذّب بالدور الذي لعبته فرنسا في ميادين القتال، أبرزها الميدان السوري، انتصاراً لما سمّي بالثورة المعارضة، وسعياً إلى إسقاط القيادة السوريّة وإطاحة مؤسساتها!!
بموجب تكليف شرير، مصدره الإدارة الأميركية وخلفه طبعاً «إسرائيل» قادت فرنسا تحالف أشرار العالم، ضد الجمهورية العربية السورية تحت عنوان «أصدقاء سورية» فيما كان التحالف، بواقعه، منتدى دوليّاً لأعداء سورية، الدولة، والدور، والوطن الموحّد.
أحد الظرفاء، علّق على ما سمّي بمؤتمرات «أصدقاء سورية» بالقول: إذا كانت تلك الدول صديقة لسورية، فمعنى ذلك أنه ليس لسورية أعداء، في هذا العالم!!
في حقيقة الأمر، كانت «مؤتمرات الأصدقاء» غرف عمليات المؤامرات التي تحاك ضد الدولة الشقيقة، ويشارك فيها بكل أسف – دول عربيّة، خليجيّة، وغير خليجيّة، فيما تتعهّد تركيا «الإخوانيّة» بقيادة أردوغان، استقبال شذاذ الآفاق، الإرهابيين الآتين من عمق كهوف الفكر الظلامي… يبدو أن تركيا، الدولة المدنية التي أسّسها «أتاتورك» أصبحت في طريقها إلى الزوال، وعلى وشك ملاقاة دولة القمع والإرهاب.
«تركيا أردوغان» ترعى الوافدين، وتقيم لهم مخيّمات التدريب، وتزوّدهم مباشرة أو بالواسطة اللبنانيّة أحياناً – بأموال المتبرّعين أفراداً، وجمعيّات أشرار، ودولاً بترولية، كنا نسمع كبار مسؤوليها، يعلنون في كل المناسبات، ضرورة تمويل المعارضة، وتسليحها، وضمان وصولها إلى العمق السوري.
آخرون، من الغرب الأميركي والأوروبي، كانوا يلقّنون «الأعراب» ترنيمة التمويل والتسليح!! أبرز هؤلاء السيناتور الأميركي جون ماكين وفابيوس، وزير خارجية فرنسا، ورئيس وزراء بريطانيا، ووزير خارجيتها، إلى جانب آخرين، وفقاً لمقتضيات مواسم السوق السياسية.
نستعيد هذا المشهد بعناوينه وبعض تفاصيله، كي لا يسقط من ذاكرتنا الوطنية، ولكي نقارن بينه وبين حالات الذعر قبل أن تسود عواصم خيّل لأسيادها أنهم أتقنوا ترويض «الوحش» الذي يغزو ديارنا، قبل أن تكتشف متأخرة أن «المسخ» الذي صنعته، يرتدّ إليها، حاملاً اسمه المرعب: «الإرهاب التكفيري البربري».
في سياق ما هو جارٍ، تعود بنا الذاكرة إلى زمن مجرمي الحرب، أمثال جورج بوش، وقادة الكيان «الإسرائيلي»، حاليين وسابقين، وسائر أدعياء الديمقراطية، أعداء الحرية، وجميع المثل والقيم السماويّة والإنسانية.
لن يغيب عن البال طبعاً، مشهد داود أوغلو ونتنياهو، في مقدم مسيرة باريس، «ضد الإرهاب» من دون أن نعرف بالتمام إذا كان أحد الأقوال السائرة عندنا: «قتل القتيل، والسير في جنازته» قولاً شائعاً أيضاً في تركيا، و»إسرائيل»؟!
في مقارنة لافتة، وغير موفّقة بالمرّة، شاء الرئيس الفرنسي أن يشبّه جولة القتلة في باريس، بالجريمة الإرهابية التي ارتكبها أتباع عقيدة «بن لادن» في 11 أيلول 2001، يوم استهدف إرهابيوّ القاعدة برجي التجاري، فقتل حوالى أربعة آلاف بريء!!
نسي هولاند أنّ بين ذلك التاريخ والحادي عشر من كانون الثاني 2015، كان قد سقط في العراق أكثر من مليون ضحيّة، وفي سورية عشرات الآلاف، وفي مدريد ولندن، مئات المدنيين وأن الإرهاب لا يزال يضرب باسم الدين في نيجيريا، ومالي، وأنحاء أفريقية أخرى، ناهيك عن اليمن والصومال ومصر، وها هو يطاول لبنان، ويقرع أبواب دول أخرى، في سائر أنحاء العالم.
إنه الإرهاب عينه الذي يرعب اليوم فرنسا، والدول الأوروبية وربما الولايات المتحدة الأميركية، وكندا وأستراليا، واللائحة تطول… وتطول…
في محاولة يائسة، للحدّ من هول هذا الوحش، قال الرئيس أوباما، إن بلاده ستفعل ما يجب فعله «لإضعاف» «داعش»!! هذه العبارة تعني بوضوح أن الهدف الأميركي، ليس القضاء على الوحش، ولا اجتثاثه، بل فقط إضعافه ريثما يؤدّي مرحلياً، الدور المطلوب منه… ولعله من أجل هذا الغرض قدّر أوباما المهلة الزمنية، التي يجب أن يظل فيها تنظيم «داعش»، ومشتقاته، ناشطاً بثلاث سنوات، ولذلك ينبغي للتحالف الدولي، أن يسأل: هل يقتضي فعلاً، لإزالة حالة الرعب، مثل هذه المدّة، علماً بأن «كوباني» أو عين العرب، صامدة منذ ثلاثة أشهر، أو يزيد؟
إن العمل الإرهابي، الذي روّع فرنسا بات يستوجب مراجعة كاملة لسياسة القارة الأوروبية، حيال الدولة السورية، تقتضي سلوك الطريق المعاكس للمسار الذي كان يستهدف القيادة السورية، ومؤسساتها العسكريّة والشعب السوري، مراجعة تمهّد خصوصاً للانخراط التام، في المعركة عينها التي تخوضها سورية ضد الإرهاب، والتي جرى التحذير، منذ بداياتها، من ارتدادها على مدبّريها.
قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، زعم أصحاب المؤامرة، أن الهدف كان إزالة بنية النظام السوري لمصلحة نظام بديل من دون تحديد هوية ذلك البديل، ولا طبيعته ولا ملامح أركانه!!
اليوم ينتهي زمن الحماقات الكبرى وزمن الرهانات على مجهول صار الآن معروفاً باسمه العريض. إنه «الإرهاب» بكلّ أسمائه الحركية… فهل تظلّ الرهانات الخائبة على حالها؟ هل اكتشف المغامرون بمصير الدول، ذات السيادة، والمهابة، وذات المنعة والقدرة، أنّ دولة كسورية تقاوم مؤامرة كونية، نحواً من أربع سنوات، ليست «جمهورية موز» بل هي في المصاف الأعلى، بين الدول التي تستحق الحياة، بكل اعتزاز، وبكامل العنفوان؟!
النائب السابق لرئيس حزب الكتائب