يروي دبلوماسي مواظب على زيارة العاصمة السورية منذ انطلاق الأحداث فيها أنه التقى الرئيس بشار الاسد، مع بداية تحول الثورة الشعبية السورية إلى حربٍ بين النظام السوري ومعارضيه، أي منتصف العام 2011، حاملا بجعبته كمًّا هائلًا من الأسئلة حول نظرته إلى مستقبل الأزمة والحلول وما إلى ذلك من علامات استفهام شغلت الرأي العام العربي والعالمي، وبعد استماع الاسد إلى شرح مستفيض من الدبلوماسي عن طبيعة التساؤلات ومعانيها، ردّ مبتسمًا وباقتضاب شديد ما حرفيته: "لننتظر سويًا العام 2015".

انتهى اللقاء بعد هذه الاجابة وبقيت تدور في ذاكرته إلى أن بدأت التحولات الكبرى تعصف بالمنطقة، لتكشف أنّ كلّ شيء يسير وفق أجندةٍ دولية فائقة الدقة لا تخرج عن مسارها إلا لوقتٍ قصير لتعود بعدها إلى الخط المرسوم من دون زيادة ولا نقصان على حد تعبيره. ومستندا الى التطورات والتحولات الحاصلة منذ ذلك الحين، يرى المصدر أنّ الاسد كان على علم مسبق بمسار الاحداث، وهو حدّد لها العام الجاري كحدّ فاصل بين الحرب والسلم. بيد أنّ الخريطة الجيوسياسية التي تسود الان تبشر ببدء العد العكسي لأزمات المنطقة في ظل معايير جديدة لخّصها على الشكل الآتي:

- إنّ أذرع الدولة الايرانية امتدت لتحاصر المملكة العربية السعودية من الناحية السياسية فيما أمعنت واشنطن في الضغط عليها اقتصاديا. فالاولى باتت تسيطر من خلال تواجد "حزب الله" الفاعل بشكل لافت في لبنان عبر بوابتي الجنوب والبقاع اي على الحدود مع اسرائيل وسوريا، كما أنّ الحزب وبمساعدة ايران لعب دورا فاعلا في كل من العراق والبحرين واليمن حيث تمكن الحوثيون من فرض سيطرة سياسية على معظم البلاد الى جانب السيطرة الامنية على البحر الاحمر وباب المندب، الذي يشكل معبرا الزاميا الى قناة السويس وكل ذلك لاسباب تتعلق بالسيطرة على معابر النفط السعودي المحكوم بقناة السويس او بمضيق هرمز، ما شكل حالة حصار سياسي خانق على المملكة التي تعيش صراعات داخلية خفية على خلفية الوراثة السياسية من جهة وعلاقاتها الخارجية من جهة ثانية.

- إنّ المفاوضات الأميركية الايرانية حول الملف النووي وسائر الملفات وصلت إلى خواتيمها السعيدة، ولم يعد هناك عوائق أمام إعلان الاتفاق سوى بعض التفاصيل المتعلقة بتقديم مبادرات حسن نية من قبل الفريقين وهذا ما بدأ يلوح في الافق القريب، بيد أنّ سبعَ دول أوروبية لم تعد تعارض رفع العقوبات عن ايران بل على العكس فانها تدعو في سرها وعلنها إلى ضرورة رفع بعض العقوبات عن الجمهورية الاسلامية، في مشهد يؤكد أنّ واشنطن باتت تهتم بإيران أكثر من اهتمامها بسائر الدول الخليجية بعد ان نجح خبراؤها في استخراج النفط الصخري، في اشارة واضحة إلى أنّ الولايات المتحدة لم تعد مستعدة للعودة بوضعها الاقتصادي الى الوراء مهما كانت الاسباب والمسببات وحجم التحالفات والكارتيلات النفطية.

- ميل المعارضة السورية إلى عدم رفض دعوة موسكو بعد أن أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن دعم المبادرة الروسية للبحث عن حل سلمي للازمة السورية، بحيث تنحو المؤشرات إلى إعطاء فرص نجاح الاجتماع المزمع عقده نهاية الشهر الحالي في موسكو بين النظام السوري ومعارضيه أكثر من فشله.

- غياب المطالبة التركية والعربية عمومًا عن دعوات إسقاط الرئيس بشار الاسد أو تنحّيه والاكتفاء باشغال الرأي العام العربي والتركي بأخبار تنظيم "داعش" وتقدّمه على محاور وتراجعه على أخرى، في مشهدٍ يؤسّس إلى تسليط الضوء على خطر الارهاب الذي هو أكبر بكثير من خطر النظام السوري المفترض.

- حاجة الدول الاوروبية الى التعاون مع المخابرات السورية واجهزتها الامنية التي تمتلك ملفات هائلة عن الارهابيين الاوروبيين الذين شاركوا في الحرب على سوريا والعراق، بحيث يكشف في هذا السياق أنّ هناك أكثر من دولة اوروبية طلبت من الحكومة السورية تزويدها بلوائح المقاتلين الاوروبيين وملفاتهم لشن حربهم الاستباقية، وأنّ النظام يتريث في الاستجابة بالرغم من الاثمان السياسية المطلوبة.

هذه العوامل وسواها دفعت بالدبلوماسي عينه ليعرب عن اعتقاده بأنه ليس من المستبعد أن تكون الاشهر المقبلة اشهر الحل في سوريا ومن بعدها المنطقة برمتها.